رمضان أقبل

رمضان كريم.. والكريم هو الله.. والصوم شعيرة محمودة ومبروكة.. والقصد منها حميدٌ ونبيلٌ.. وأداؤها يَستوجب يقيناً وإرادةً وجهداً جهيداً.. وفيها مُجاهدة للنفس والناس.

ليس رمضان أن نمضي سحابة النهار، نُكابد الجُوع والعَطش ونتذمّر من حرارة الشمس القائظة.. ولكنه – وكُلّنا نعلم – أن تصوم جوارحنا عن الخطايا والذنوب.. أن نغض بصرنا في الطُرُقات.. ونكف ألسنتنا عن الآخرين.. ونقلع عن حياكة الأكاذيب والقِصَصِ.. ونفرد أشرعة التّسَامُح.. ونتبادل الصفح والعطايا.. ونستغفر الله على كل ما كان!

فهل تعتقدون أنّ كل ذلك بإمكاننا..؟ هل رأيتم كيف بَاتَ رمضان يزورنا على استحياءٍ مُتعجِّلاً الرحيل..؟ هل لاحظتم أنّنا نستقبله ونحن نتزاحم على الأسواق والمَتاجر بصُورةٍ مُخيفةٍ.. نشتري كل ما تقع عليه أعيننا.. ونكدِّس المُشتروات بشراهةٍ كبيرةٍ يُبادلنا إيّاها  التُّجّار بجشعٍ أكبر.. وكأنّنا سنقتات من آخر زاد لنا في هذه الفانية أو أنّ مجاعةً عُظمى ستجتاح العالم وتُجفِّف الأسواق من كل ما يلزم لتصريف شؤون حياتنا اليومية!

قبل يوم من ثُبُوت هلال الشهر المبارك.. تَجْأر الطرقات بالشكوى من الاختناقات المُرورية.. ويقفز تُجّار (البهارات) و(العِدّة) لمصاف الأثرياء بفضل الإقبال النسائي العظيم، بينما يتساءل الرجال في سرائرهم: (العِدّة دي ما بنشوفها ليه؟!!) ولا ينتظرون الإجابة.. فهم مُنشغلون بالتفكير في مُستلزمات عيد الفطر المبارك وقد أزف لا ريب!!

القنوات الفضائية بدورها تَتَبَارى في تقديم الأصوات والألوان والضحكات..! فمن قال إنّ الصوم أمرٌ مأساويٌّ يستوجب البحث عن بعض الترويح..؟ أو ليس هو في الحقيقة راحةٌ ورواح وتراويح..؟ أو ليس هو تكافُلٌ وتراحُمٌ وذكرٌ وشُكرٌ ومُحاسبةٌ للنفس..؟!

يُحزنني حقاً أن يتحوّل شَهر رمضان المُبارك لما يشبه المهرجان.. نعتني فيه بالقشور والبهارج أكثر من عِنايتنا بالأرواح والتفاصيل الإسلامية المجيدة.. فيَتَحَوّل لمُباراةٍ في التفاخُر والصّرف البذخي والمُباهاة بدلاً من السُّمو والطهارة والشُّعور بالآخرين.. أعتقد أنّنا نحتاج لإعادة نظر لمعنى الصُّوم بأعماقنا.. ومن ثَمّ كيفية مُمارستنا له.. جعلنا الله من عُتقائه.. وبلّغنا رمضان القادم بألف خير.

تلويح:

اللهم أعِنّا على رمضان.. وقدّر لنا الصوم عن ملذات الدنيا.. ومكِّنّا من أنفسنا وألسنتنا ونُفُوسنا الأمّارة بالسُّوء.

اللهم أشكو لك ضُعفي أمام أوجاع الظلم الذي أوغر صدري عليهم.. فهوِّن لي سماحة الرُّوح وقُوة الصّفح.. وأكسبني جلداً ترضاه على وهن الصيام وضعف الإرادة.

اللهم أحفظ صحة بدني وعائلتي وأدِم علينا حلاوة النِّعم.. ولذّة الحمد.

تبارك رمضانكم وسائر أيّامكم وجعلنا الله جميعاً من العُتَقَاءِ.

آمين يارب العالمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى