ده شايت على وين…ده؟!

إذا كان إخواننا المصريون قد اشتهروا بالنكتة، فإن السودانيين يعتبرون سادة العالم فىي خلق واستنباط (الأمثال)! من ضمن أمثالهم الشعبية والتى تعبر بشكل عميق عن الحالة التي يراد ضرب المثل عليها, المثل الذي اخترته أعلاه عنواناً لهذا المقال. ويبدو أن المثل من الأمثال الحديثة لأنه يستخدم (مفردات) تتعلق بكرة القدم. جاء رئيس الوزراء الأثيوبى (آبى أحمد) للسودان، وقدم (مشكوراً) وساطة لحل المشكل السوداني وللحقيقة، فالرجل لم يقل أو يفعل شيئاً يمكن أن يؤخذ عليه، فإثيوبيا جارة للسودان ويهمها استقراره. لكن المثل السوداني المذكور أعلاه بدأ يأخذ (زخمه) بعد مغادرة دولة رئيس الوزراء إلى بلاده وتعيين أحد سفرائه لكي يواصل المهمة. الشاهد أنني سمعت أكثر من شخص، وهو يطلق المثل أعلاه على (الوسيط) الأثيوبي لدرجة أن بعض القوى السياسية قد رفضت صراحة الطريقة التي يتحدث بها سعادة الوسيط الأثيوبي، والذي يبدو أنه لم يتم (تنويره) بالمهمة الموكلة إليه بشكل واضح, أو أنه لم (يفهم) مهمته على وجه صحيح! وإجماع عدد من المحللين والمراقبين على إطلاق مثل (ده شايت على وين…ده)، تؤكد أن الرجل, ليس فقط قد تجاوز حدود (التفويض) الممنوح له،  بل هو في واقع الأمر يقوم بإفساد مهمته، وذلك نتيجة لـ (شوتاته) غير المتقنة و(تصويباته) الطائشة والتي تبعد كثيراً عن (المرمى)!  وهذا أمر يؤسف له كثيراً، لأنه يلقي بظلال من الشك حول العلاقات الأزلية بين الشعبين وربما يقود إلى تقويض المبادرة الأثيوبية برمتها. إن مهمة الوسطاء عادة تنحصر فقط في (تسهيل) مسارات التفاوض والبحث عن أفضل السبل لحلحلة المطبات التي تعترض سير التفاوض, لذلك سموا بالمسهلين (facilitators). لكن بكل أسف فإن الوسيط الأثيوبي قد ظهر بمظهر لم يظهر به رئيس وزرائه نفسه. الرجل بدأ يتكلم بطريقة دفعت أحد الكتاب، لأن يذكره بأنه ليس (الحاكم العام) للسودان. الرجل وفي كل أحاديثه وتصريحاته كان كمن يقرر مصير مفاوضات لم تبدأ, حيث أن مهمته تنحصر في (سوق) المفاوضين وإقناعهم بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وليس تقرير نتيجة تلك المفاوضات. كرر الرجل أكثر من مرة أنه سيتم التفاوض من حيث انتهى، وأنه لا رجوع عما تم الاتفاق عليه بين المجلس العسكري وبين قوى الحرية والتغيير. مثل هذه التصريحات هي حق (حصري) على أطراف التفاوض, هذا فضلاً عن كون أن هذا الأمر لم يعد مطروحاً أومقبولاً البتة بواسطة الشعب السوداني. هذا أمر ليس من حق أي وسيط أن يخوض فيه. والرجل إن كان (يدري) أن هذه النقاط بالذات هي نقاط (ملتهبة)، بل هي في واقع الأمر عبارة عن (متفجرات) هي التي فجرت الوضع في المقام الأول، وأن الحديث عنها بهذه (الأريحية) هو بمثابة صب للزيت على النار, إن كان يدري ذلك ثم قال ما قال فتلك (مصيبة)، وإن كان لا يدري فالمصيبة أعظم! الأشياء التي ذكرها الوسيط الأثيوبي لو أن هناك اتفاقاً بشأنها كما يوحي الرجل فلم أصلاً جاء رئيس وزرائه وسيطاً، ولماذا بقي هو ليواصل المهمة؟ إن الوسيط, أي وسيط وقبل أن يتصدى للوساطة عليه أن يدرس القضية التي هو بصددها دراسة عميقة ويطلع على تاريخ الأزمة و خباياها وأفضل السبل لحلها, وهذا أمر يبدو أن الرجل لم يقم به. إن على الوسيط الأثيوبي أن يعلم أنه ليس من شيء يرفع (ضغط) أهل السودان مثل الحديث عن استئناف التفاوض من حيث انتهى, ذلك لأن هذا الأمر قد تجاوزه الزمن, بعد أن رفضه أهل السودان وأن ترديده بذلك الشكل الصريح يجعل من الرجل وسيطاً هو في (أحسن حالاته) ليس هو الشخص المناسب للمهمة وأننى أتوقع إعفاءه من مهمته. وهذه النتيجة لا نرضاها لأشقائنا أحفاد الصحابي الجليل, سيدنا النجاشي أسحم (رضي الله عنه).

(*) حاشية: بالرغم من أن الدبلوماسي الإثيوبي يتكلم العربية بطلاقة، إلا أنه ليس بالضرورة أن يكون ملماً باللهجات السودانية, عليه لا بد من (ترجمة) دقيقة للمثل له حتى لا تحدث أزمة دبلوماسية بين البلدين الشقيقين!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى