خطوة إلى الأمام.. ثلاث خطوات إلى الخلف!!

إن مياهاً كثيرة بدأت تجري في نهر الأزمة السودانية، مما يحتم على الجميع إعادة ترتيب أوراق اللعب والتسوية السياسية التي تحفظ أمن واستقرار الوطن. مضى عيد الفطر المبارك هذا العام والسودانيون أكثر حزناً وألماً بدءاً من تلك الأنفس والشباب الذين مضوا الى الله تعالى ليلة فض الاعتصام، نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة ولأسرهم الكريمة الصبر وحسن العزاء، ونأمل أن تعجل لجنة التحقيق خطواتها لتحقيق العدالة، والعدالة هنا يجب أن تشمل قوى الحرية والتغيير الذي دمغهم المجلس العسكري بأنهم على علم ودراية بفض الاعتصام وحتى اليوم لم يصدروا بياناً مسبقاً يدين الفعل قبل وقوعه، ولم يصدروا بياناً نافياً حديث رئيس اللجنة الأمنية الفريق الركن جمال عمر.

 كل السودانيين دفعوا ثمن الثورة والتغيير، قد يختلفون في وسائل التعبير، وبالتالي ليس من حق أي شخص أو جهة أن ينسب الفضل لنفسه دون الآخرين وليس من حق أي شخص أن يكره الناس على اتباع منهجه في التعبير أو يغلق أمامهم الطرقات لمنعهم من الخروج لأداء أعمالهم، لأن الله خلق الناس أحراراً فلِمَ يستعبدهم البعض، والله تعالى لم يجبر الناس حتى على الإيمان، وكان بمقدوره تعالى أن بفعل ذلك، لكنه تركهم أحراراً في خياراتهم، قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ  فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ…….). والله تعالى يخاطب النبي (صلى الله عليه وسلم)  بقوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ).

الله يستطيع أن يجعل الناس جميعاً مؤمنين ويصدقون أن محمداً رسول الله، وأن ما جاءهم به وما يدعوهم إليه من توحيد الله وإخلاص العبودية له حق، هذا رب الناس خيّرهم فما بال الذين يفرضون إرادتهم بالمتاريس والعنف والكراهية والطرح التصعيدي واتساع مساحات التضييق، وهي أساليب لن توصلنا إلى حلول مرضية غير أنها تطرح أسئلة ملغومة، بل تفتح الأبواب لمن يريد استغلال حالة الفوضى والضحيح والانشغال بأمور الحكم إلى تحقيق أهدافه وزرع الفتن وسط المجتمع الآمن، وخلق أوضاع جديدة على الأرض، عندها لا ينفع الندم.

 إن قوى الحرية والتغيير لم تدفع ثمن المواجهة مع المجلس العسكري، لكن دفعه الشباب المتحمسون لقضايا وطنهم والذين بمقدورهم مواجهة الرصاص، وقوى الحرية والتغيير تركت الشعب السوداني والمواطن البسيط يدفع ثمن الخطر وتبعات سوء تقديرهم وتخطيطهم وعدم تحسّبهم لكل الألغام، وهم يراهنون على الشكل وليس المحتوى والمضمون، على سبيل استنزاف القوات لا مصادقتها وشراكتها، لكن يبدو أن هذه القوات لا تزال تختزن ضرباتها المؤثرة والموجعة على قوى الحرية والتغيير عشماً كان في شراكة سابقة، والآن في تسوية قادمة، وهو الذي يبدو أنه ما يدفع المجلس العسكري على ضرورات التمهل في رد الفعل، وهو لا يريد التصرف عسكرياً تحت ثورة الغضب وفي كل الأحوال دفع الثمن غالياً البسطاء وتحمل الخسائر التجار الموسميون أصحاب رؤوس الأموال المتواضعة قبل الشركات والموردين الذين تكدست بضائعهم بسبب ما أقدمت عليه قوى الحرية والتغيير من حماقة سياسية عطلت أسواق العيد كانت مغامرة ثقيلة ومعقدة على قوى الحرية والتغيير نفسها قبل الآخرين.

 وإجمالاً لا أتوقع أنها كانت خطوة محسوبة العواقب والتوقيتات وتزامنها مع موسم العيد. إن عناوين الغدر وتباين وجهات النظر بين مكونات قوى الحرية والتغيير وعدم اتفاقهم على أجندة واضحة يجعل قوى أخرى تتقدم للمشهد بقوة أبرزها قوى نداء السودان، وهي صاحبة الأثر في أهم ملف وهو السلام، ومعلوم بالضرورة أن أي تسوية تتجاوز الحركة الشعبية شمال وحركات دارفور فهي معادلة معطوبة، ولا توصلنا إلى الحل السحري لمعضلات البلاد، كما أن المنظومة السياسية الأخرى التي أتوقع أن تتقدم، وهي القوى السياسية الداخلية، وهي التي تُحدِث إثراً مباشراً على منظومة دفاع قوى الحرية والتغيير التي تخطط لحكم البلاد منفردة ومشغولة بإقصاء الآخرين، وهي تراهن على المواطن البسيط الذي دفع أثمان أخطائها منذ الرهان الكلي على الاعتصام بكل إيجابياته وتشوهاته الكبيرة، وقوى الحرية والتغيير تدرك قبل غيرها أن المواطن السوداني لا يمتلك وسائل ضمان اجتماعي تقيه الصعوبات والأزمات المترتبة على الاعتصام والعصيان المدني، ومفهوم أن أكثر 80% من نسبة السكان يعملون في المجال الحر الذي لا يتحمل تبعات العصيان والتمرد على العمل، وفي هذا استمعتُ إلى منطق ودفاع غريب لرجل حقوقي ينتمي إلى قوى الحرية والتغيير أدلى به لقناة الجزيرة، وهو يدافع عن المتاريس، ويقول إن المواطنين أنفسهم هم من يخربون مصالحهم بوضع المتاريس وليس قوى الحرية والتغيير ولجانها بالأحياء السكنية.

 أي منطق هذا يا رجل، فهي حجة مردودة بياناً عملياً. أخلص وأقول: لابد من حلول وطنية عاجلة تجنب البلاد ويلات الانزلاق والتدهور، ونحن ننظر ونتابع أن الواقع الذي كان بعيداً يمكن الآن أن نلمس ملامحه في التجاوزات الأمنية والتعدي على حريات وحقوق الغير.

إن الواقع الذي كنا نحذر منه بدأ الجميع يشم رائحته مخلوطاً برائحة الفتنة والدم في بعض مناطق الخرطوم وبعض المدن سيما النائية على الحدود والأطراف ما يتطلب يقظة وحذراً من الكل.

حفظ الله بلادنا وأهلها وجنّبها الفتن ما ظهر منها وما بطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى