السودان وقائمة الإرهاب..خفايا غُرف صنع القرار في واشنطن

الخرطوم ــ إنعام عامر

ملف إزالة السودان من قائمة الإرهاب لا زال يقبع تحت طاولة واشنطن رمادية اللون.. لا هي بيضاء ولا هي سوداء.. هكذا تبدو الطاولة المعتقة.. ولا تجعلنا تلك اللونية بمتفائلين ولا متشائمين.. إلا أن حديث الغرف المغلقة في واشنطن وهمس جدرانها يقولان بصوت واحد إن الملف شغل الأوساط صانعة القرار في أروقة الإدارة الأمريكية ومؤسساتها بما يكفي الشهر الماضي.. تصريحات هامة للغاية بخصوص الملف دفع بها مسؤولون في إدارة ترمب كفيلة بتسليط الضوء على السياسة التي سوف تتعامل بها واشنطن تجاه الخرطوم خلال الفترة الانتقالية . 

مقربون من دوائر صنع القرار ومسؤولون بالخارجية الأمريكية أجملوا قولهم في أن بلادهم تشجع المانحين من المجتمع الدولي والمنطقة على دعم الحكومة الانتقالية في السودان في الوقت الراهن، إلا أنهم لا يستطيعون القطع بموعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو مؤشر يؤكد  أن واشنطن لا تريد اتخاذ أي قرار حالياً بشان الملف..

الملف برمته تتجاذبه أيادٍ لا تبدو على مجمع من أمرها. ويصعب الامر حال التعامل مع مؤسسات إدارة الحكم في الولايات المتحدة بتعقيداتها.. إلا أن المشهد يقول إن ترامب ومساعديه لا يريدون إغضاب حلفاء الشرق الأوسط ولا يريدون أن يخرج دولار من الخزينة الأمريكية المثقلة لدعم الحكومة الانتقالية في السودان أو التفاوض بشكل واضح في أمر إزالة اسم السودان من قائمة دعم الإرهاب.. إلى ذلك أجملت تصريحات مسؤولو الخارجية الأمريكية القول في سطرين فحواهما “إننا نشجع جميع الأطراف على مساعدة السودان، ولكن بطريقة جماعية”. وفي القول “إن دول الخليج وعدت بالنظر في تمويل إضافي في إطار برنامج أوسع لدعم السودان”… دون التطرق بشكل صريح إلى مسألة إزالة اسم السودان من القائمة السوداء.. 

إلى ذلك يرى نافذون في الغدارة الأمريكية أن ابقاء اسم  السودان على قائمة الإرهاب يعطي واشنطن نفوذاً أكبر يمكنها من فرض ما تريد من إملاءات تخص تموضعها ضمن برنامجها في أفريقيا، وهي لا تريد في الوقت الراهن إضاعة هذا الكرت وإفلاته من يدها.. واستناداً إلى تلك الخلفية، فإنه من الصعب بمكان التنبؤ الآن بتجاوب واشنطن مع نداءات الحكومة الانتقالية بشان الإسراع في اتخاذ قرار محو اسم السودان من القائمة..

دعم الحلفاء

تبدو هنا واشنطن غير جاهزة لتقديم أي مساعدات للخرطوم في الوقت الراهن، أو في أي وقت خلال الفترة الانتقالية، مثلما تبدو غير مستعدة لإزالة السودان من قائمة الإرهاب على الأقل خلال الفترة الانتقالية، لذلك اكتفت فقط بتشجيع الأطراف الدولية، غربية وأفريقية وعربية على تقديم الدعم للخرطوم ، واعتمادها هنا على الدول الخليجية (السعودية والإمارات)، لتقديم التمويل اللازم لبناء مؤسسات الدولة المدنية خلال الفترة الانتقالية ودعم الاقتصاد الوطني المنهار وتعول على دول الخليج النفطية بسبب صعوبة ذلك على الكتلة الأفريقية المتحمسة لدعم الخرطوم، خاصة دول الجوار الإقليمي وشرق أفريقيا لأن أوضاع تلك الدول لا تمكنها من تقديم أي دعم مالي للخرطوم بسبب تردي أوضاعها الاقتصادية.

ويمكن القول إن داعمي صنع القرار في واشنطن منقسمون بخصوص استقطاب الدعم السعودي الخليجي للسودان خلال الفترة الانتقالية، ويرون فيه تكريساً لمصالح تلك الدول، الأمر الذي يفوت الفرصة على الشركات الأمريكية.

وهنا يرى المدير السابق لمكتب تمويل مكافحة الإرهاب وتسمياته في وزارة الخارجية الأمريكية، أن على واشنطن بدلاً من قبول وتشجيع الدعم السعودي والإماراتي، أن تأخذ زمام المبادرة في العمل مع المجلس العسكري الانتقالي وتجمع المهنيين السودانيين في تشكيل مستقبل السودان. 

وحسب الخبير الأمريكي في مجال الإرهاب “فإن وضع السودان في القائمة السوداء يوفر للولايات المتحدة نفوذًا فريدًا للقيام بذلك”.. أي فرض مصالح واشنطن في إطار سياسة قديمة ظلت تنتهجها الإدارة الأمريكية تجاه البلاد عرفت بسياسة (العصا والجزرة).

واستناداً إلى حديث المدير السابق لمكتب مكافحة الإرهاب بالخارجية الأمريكية جيسون  بلازاكيس في تصريحات حديث ، فإن مجرد إزالة اسم السودان من القائمة سيساعد في إعادة تأهيل الصورة العامة للبلاد. 

ويشير إلى أنه مع هذه الخطوة، ستبدأ الشركات الأمريكية التي كانت تخشى في السابق التعامل مع الخرطوم استكشاف فرص الاستثمارالمتوفرة… 

ويعرض الخبير الأمريكي هنا حوافز بلاده مقابل الفرص التي ستحظى بها الشركات الأمريكية بقوله “إن تلك الاستثمارات الخاصة تخفف في المستقبل من المصاعب الاقتصادية التي حركت الاحتجاجات وأدت إلى سقوط النظام السابق”…

وتظهر هنا، في ما يخص أمر إزالة اسم السودان من القائمة السوداء شروط أخرى غير تلك التي قالت بها الإدارة الأمريكية، ودفعت بها إلى سطح الطاولة والخاصة بالتحول  الديمقراطي وتسوية قضايا السلام، إلى ما هو تحت الطاولة، وهو الفوز بفرص استثمارات حاربت واشنطن من أجلها طويلاً بغية طرد التنين الأصفر ومنعه من الفوز بكعكة الاستثمارات..

أجندات مصالحية

ويظل الانقسام بشأن ملف السودان حاضراً داخل أروقة الإدارة الأمريكية ومؤسساتها، ففي الوقت الذي يشجع فيه ترامب الدول الخليجية تقديم الدعم للخرطوم خلال الفترة الانتقالية، ومن بين أجندته هنا دعم حلفائه الأقرب في المنطقة، تتبنى مؤسسات أخرى في منظومة الحكم الأمريكية رأياً آخر يتمثل في عدم ترك الفراغ لتملأه دول أخرى سواء كانت غربية أو إقليمية ليظل إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب قراراً يرتهن في المقام الأول إلى اجندات مصالحية تخص واشنطن وحدها لا سواها .

وحسب جيسون م. بلازاكيس بمعهد ميدلبيري للدراسات الدولية في مونتيري، ومدير مركز الإرهاب والتطرف ومكافحة الإرهاب حتى أغسطس 2018، فإن نهج واشنطن تجاه السودان غير مُرضٍ إذ طالب جيسون بإعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه الخرطوم وفي نظره يبقى من الأهمية بمكان أن تلعب الولايات المتحدة دوراً أكبر في السودان من خلال تسهيل الانتقال السلس والسريع من الحكم العسكري إلى الحكم المدني، مع تجنب الاندفاع القسري إلى الانتخابات التي يمكن أن تخلق المزيد من الفوضى والعنف وتعيد السودان إلى الوراء لسنوات. ويرى أن على الولايات المتحدة أيضًا العمل مع السودان لضمان أن تتخذ القيادة الجديدة الخطوات اللازمة للانسحاب من قائمة الدول الراعية للإرهاب. واستنادًا إلى حديث جيسون “فإن السودان يمكن أن يصبح مثالاً للانتقال السلمي في المنطقة أو قد يصبح ليبيا أخرى، غارقة في حروب داخلية”..

رسالة مربكة

ويرى مدير مركز التطرف والإرهاب الأمريكي، أن السودان نأى بنفسه في السنوات الاخيرة، عن طرق دعم الإرهاب، مستدلاً بأن العديد من التقارير القطرية الأخيرة لوزارة الخارجية حول الإرهاب لا تورط السودان في أي دعم للإرهابيين، بل تشيد بالسودان “لاستمراره في متابعة عمليات مكافحة الإرهاب إلى جانب الشركاء الإقليميين، بما في ذلك عمليات مواجهة التهديدات المتوقعة للمصالح الأمريكية والعاملين في السودان”. 

وتأتي أهمية شهادة الخبير في كونه قدم المشورة لكل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية بشأن المسائل المتعلقة بالتسميات الإرهابية للأفراد والجماعات والجهات الراعية للإرهاب.. وهو يرى أن لا تناسق في وضع السودان المستمر في قائمة الإرهاب وعلى قائمة وزارة الخارجية للدول التي لا تتعاون بشكل كامل مع جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية. 

ومن الناحية الفنية يرى جيسون “أن موقف السياسة الأمريكية تجاه السودان يتمثل في أنه يرعى الإرهاب ولكنه يتعاون تعاونًا كاملاً مع جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية”ويقول إن هذا يرسل رسالة مربكة للغاية إلى السودان.

متطلبات فنية

وحسب الخبير الأمريكي في مجال الإرهاب، فإن كبار صانعي السياسة في الولايات المتحدة قدموا عملاً ضعيفاً في وصف عملية متطلبات النقل من قائمة الإرهاب إلى المحاورين السودانيين خلال السنوات الماضية، وفي رأيه، بالمقابل قام السودانيون بعمل ضعيف في فهم المتطلبات الفنية للولايات المتحدة المحيطة بتحديدات الحذف من القائمة. ويقول في هذا المنحى” على وجه التحديد، في عام 2015 ، لم يفهم مسؤولو الحكومة السودانية سبب حاجتهم لتقديم ضمانات إلى الولايات المتحدة بأن البلاد كانت خارج نطاق الأعمال التجارية الراعية للإرهاب”..

ومن المتوقع ألا تستجيب واشنطن في الوقت الراهن إلى طلبات ودعوات الخرطوم بشأن القائمة السوداء، إلا أنها ربما تطرح تسوية للملف لا ترقى إلى إرضاء طموح الانتقالية، من بينها تشجيع أصدقائها على دعم الحكومة في الخرطوم، وربما تسعى هنا إلى شراء وكسب الوقت في انتظار انقضاء الفترة الانتقالية وإدارة عملية انتخابية تنظر إليها منذ الآن بعين متوجسة خشية أن تأتي بحكومة لا ترغب في وجودها على سدة الحكم لا هي ولا حلفائها في المنطقة… وهنا لا حلول أمام الانتقالية سوى الضغط على واشنطن لتقديم تنازلات كبيرة بشأن الملف.. رغم أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه مثل تلك الملفات لا تخضع لأي تعاملات مرنة أو تنازلات لا تُبنى على مصالحها.    

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى