فيصل.. والإجابة على أسئلة الراهن الإعلامي

نُبارك للشعب السوداني تشكيل الحكومة الجديدة، ومن هنا نبعث بتحية تقدير وإجلال لكل الوزراء الذين ضحّى بعضهم بوضعه الخاص من أجل تكليف الوطن، وتحية نبعثها لربان السفينة د. عبد الله حمدوك لأدواره الثمينة مع الجميع في إخراج البلاد من وحل الفراغ الدستوري، والشعب السوداني الآن ينتظر الأثر والتحوُّل، فهو غير آبهٍ كثيراً بالسير بالذاتية، ولا الجامعات التي درس فيها وتخرّج فيها محظوظو الوزارات على الرغم من ضروريتها وأنها أساسية في معايير الاختيار.

والأمر المُبشِّر للشعب الذي ينتظر بُشراه ويُقابل الأحداث بما فيها تَشكيل الحُكومة بصمتٍ وأسئلة مُريبةٍ، هو ما أعلنه السيد رئيس الوزراء في خطاباته التي كانت رداً بليغاً وعاقلاً ومسؤولاً على مطالبات بعض القوى الثورية بالتشفي وتصفية الحسابات والإقصاء، لكن حمدوك هدأ المُجتمع المُتحفِّز والمشتعل بحالة الانقسام التي فرضها خطاب البعض الإقصائي، بيد أنّ خطابات حمدوك بمثابة صب قطرات من الماء البارد على الواقع المُلتهب من المُمارسات العديدة التي إن استمرت ستكون المرحلة الانتقالية من أفشل الفترات الانتقالية.. وحسناً حمدوك سيعمل مع الجميع في تحقيق مَقاصد التّغيير.. والمُؤسِف أنّ فتنة الانقسام الكُبرى شَارَفَت أن تتمكّن من الإعلام، لكن يُحمد لحمدوك أن اختار من بين المُمارسين لمهنة الإعلام الأستاذ فيصل محمد صالح لقيادة دفة الثقافة والإعلام، ولا أدري أنّها من محاسن الصُّدف أم من مساوئه أن يجلس فيصل على ذات الكرسي الذي كان يجلس عليه حسن إسماعيل، الذي كان آخر مُناظري فيصل من مسؤولي النظام السابق في قناة “الجزيرة”، وكنت قد علّقت حينها أن ثمة فرقاً كبيراً ما بين فيصل محمد صالح حينما كان ينتج الفكرة ويسوِّقها له آخرون، وفيصل اليوم الذي يُسوِّق أفكار غيره للرأي العام، وقلت ملعونة السياسة وهي تتمدّد لتحل محل المعرفة، وكان وقتها فيصل وعبد الله علي إبراهيم من الذين يُسوِّقون خطاب الثورة وشُخوصها ومُصطلحاتها وهذا شَرفٌ لفيصل بأنّه شارك بفعالية في التغيير والثورة لدرجة تحوُّله من شخصية مُتسامحة في تحرير الخلاف وتقدير وجهات النظر إلى شخص ساخط وسريع الانفعال وشديد الغضب على قول الأستاذ ضياء الدين بلال.
الآن جلس فيصل، على كرسي المسؤول عن الإعلام بكل تقاطُعاته والحالة التي يعيشها من الصخب واختلاط الأوراق وهي حالة طالت زمنياً بشكل ينذر بالمخاطر، وأُصيب فيها الإعلام بأمراض السياسة وبات رهيناً ويحتاج لمن يُحرِّره ويبدأ فصلاً جديداً في تطويره، وهنا أمام فيصل سؤالان للإجابة عليهما، لكن أحد السؤالين يتطلب الإجابة عليه أولاً حتى يبدأ مشوار ترتيب أوراق الإعلام الذي يعمل ما بين الممنوع والمرغوب، ويقيني إن لم يفعلها فيصل محمد صالح ابن حيشان الإعلام بكل ضروبه فمن يكون الجاني? السؤالان هما: ماذا يُريد الإعلام من فيصل? وماذا يُريد فيصل من الإعلام?.
إنّ إعادة صياغة الإعلام الوطني تبدأ بدراسة بيئته الداخلية والخارجية بصورةٍ موضوعيةٍ وليست على منهج بعض الزملاء من الذين يسوِّقون الثورة على منهج ثورتنا، وشكّلنا حكومتنا والبلد بلدنا، فهذه اللغة الفجّة لا توردنا إلا المهالك وهي شيموفونية وتكسب مراحل لا أكثر ولا يبني إعلاماً وطنياً، فالإعلام الرسمي وتحديداً التلفزيون القومي ليس بهذا السوء الذي يشير إليه البعض، لأنّ الكادر الفني والهندسي والبرامجي العامل به مُقتدرٌ وكفاءات نادرة، لكن مطلوبٌ معرفة الظروف المُحيطة بهم والإمكانَات المادية المُتوفّرة لهم قبل ترصُّدهم ومّلاحقة أخطائهم، إلى جانب حالة الانسداد بينهم وأجهزة اتخاذ القرار بسبب بعض الشخوص الذين يعيقون الرؤية الحقيقية ويعملون على إنتاج الصدام ما بين الأجهزة الإعلامية والمسؤولين.. فيصل محمد صالح شَخصٌ مُنفتحٌ مهنياً وهو واضع منهج ومُدرِّب وممتحن لمادة التحرير الصحفي الأخباري لامتحان التسجيل لمهنة الصحافة منذ بداية دورة الاتحاد العام للصحفيين الحالية برئاسة الصادق الرزيقي، وسبق لي شخصياً أن تعاونت معه في المركز القومي للإنتاج الإعلامي، واستعنا به مُدرِّباً في إدارة التدريب للطلاب المُمتحنين لنيل السجل الصحفي فهو رجلٌ منفتحٌ، لكنه مُواجهٌ بتحديات كثيرة، منها أنه أصبح ينتج الأفكار ويسوِّقها مع آخرين وينفِّذها وفي هذا إذا بدأ بالإجابة على السؤال: ماذا يريد فيصل من الإعلام? فإنّه سيعيق مسار إعادة ضبط وعلاج أمراض الإعلام، لا بُدّ من الاستماع لمشاكل الإعلام أولاً وهذه الخطوة ستبدأ بالإجابة على ماذا يريد الإعلام من فيصل? الإعلام بشكله الكلي والحكومي على وجه الخُصُوص.. إن مُحاولة إتاحة الرأي والرأي الآخر عبر وسائل الإعلام الحكومية هذا بالجد تحدٍ وأخشى عدم الالتزام به من قِبل الظهير السِّياسي لقوى الحُرية والتّغيير، برغم تحمُّس رئيس الوزراء واهتمامه بالإعلام وضرورات تمكينه، لكنني أخشى الخلط والارتباك من قِبل السياسيين الذين يُحاولون كسر إرادة المسؤول التنفيذي، ولدينا شواهد تاريخية في ذلك تثبت أنّ الإعلام الرسمي هو عين وسمع وقُوة السُّلطة المُتمكِّنة من الحكم وليس سواها، أقول ذلك لأنّ أصداء تصريحات حمدوك قد طرقت أذني، ويَقيني أنّها سَوف تَصطدم بملفات الممنوع والمَرغوب التي تتحكّم في رسائل ووسائط الإعلام.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى