من بعدك (يا موسى) سيكتب عن (الراحلون)؟!

وأخيراً وبعد معاناة مع أمراض الدنيا وصبر وجلد و(احتساب), أسلم حبيبنا وأخونا وعزيزنا الأستاذ موسى يعقوب الروح وسلمها لبارئها راضية مطمئنة بإذن الله، وذلك في العاصمة المصرية القاهرة. الموت حق وهو الحقيقة الوحيدة في هذه الدنيا، فالحياة نفسها لا يدري صاحبها ما الله فاعل بها, لكن الحي على تأكيد بأنه سيموت, لكن موت رجل مثل الأستاذ موسى يعقوب يترك في القلب حسرات بالرغم من أننا نعلم أن الله قد اختار له الأحسن فما عند الله خير وأبقى. 

موسى يعقوب (لا نزكيه على  الله) كان بحرًا يزخر في (جوفه) بكنوز من الحب والوفاء والزهد والتواضع و(الخوة الصادقة). موسى كان رجلاً (متعدد المواهب)، فهو كاتب متميز وهو صحفي شهير، وهو أستاذ أجيال. موسى يعقوب من الناحية الشكلية يمكن اعتباره من الجيل الثاني أو حتى الثالث من قادة الحركة الإسلامية الحديثة, لكنه من الناحية العملية والموضوعية هو في قلب الجيل الأول، وذلك بعطائه وريادته لطائفة من الأفعال والابتكارات التي تركت أثرًا باقياً على الأجيال الشابة في الحركة الإسلامية. 

يعتبر موسى يعقوب من أبرز (الإصلاحيين) في الحركة الإسلامية خاصة، وفي المجتمع السوداني بشكل عام. عقب ثورة أكتوبر وبعد انفجار العمل السياسي والاجتماعي قام موسى يعقوب مع رفيق دربه الراحل علي عبد الله يعقوب بإنشاء (منظمة الشباب الوطني). هذه المنظمة لمن لا يعرفون هي (العراب) لكل المنظمات الشبابية التي ظهرت في الساحة الاجتماعية في السودان في السنوات التي تلت. وكانت (الملهم) لإنشاء منظمات (رديفة) مثل الجبهة النسائية الوطنية والتي أنشأتها الشيخة البروفيسور سعاد الفاتح البدوي (أمد الله في أيامها). أدرك أولئك العباقرة أن أقرب الطرق لتنفيذ وإنزال الأفكار السياسية هي العمل الاجتماعي. كانت الفكرة ببساطة تقول وتفترض أن هناك طاقات كامنة في نفوس الشباب وأنها فقط في حاجة (للمفجر). ولقد أحدثت منظمة الشباب الوطني حراكاً واسعاً وسط الشباب، حيث أقامت العديد من النشاطات الملهمة للشباب الذين شعروا بقيمتهم هم أولاً ثم بقيمة ما يمكن أن يقدموه لوطنهم ولمجتمعهم. 

ولئن كان الأستاذ علي عبد الله يعقوب هو الراعي لتلك المنظمة، فإن الأستاذ موسى يعقوب كان (الدينمو) الفاعل الذي قاد ذلك الحراك الشبابي الضخم الذي قامت به منظمة الشباب الوطني. 

لقد أقامت المنظمة ما بات  يعرف بـ (أسبوع) كذا وكذا. كانت منظمة الشباب الوطني هي من اخترع ونفذ العديد من (الأسابيع). نظمت المنظمة أسبوع النظافة وأسبوع المسرح وأسبوع المرور، وكانت أول من جند الأطفال الصغار وألبستهم رتب ضباط المرور، حيث انتشروا في الشوارع جنباً إلى جنب مع ضباط ورجال المرور  في أسبوع المرور. 

الأستاذ موسى (رحمه الله) كان صحفياً ذا طعم خاص ولونية خاصة، ولست أبالغ إذا ما قلت إن الراحل قد بنى مدرسة صحفية بتلك المواصفاتـ وهي مدرسة تلاميذها كثر. 

تقلد مناصب صحفية بارزة، وعندما تفرغ لكتابة العمود الصحفي (المشهد السياسي), اختط لنفسه أسلوباً يقوم على التحليل الدقيق والطرح العميق والفكرة الصائبة. كان عفيف اللسان, صادق الكلمة أنيق العبارة يختار كلماته ويقيسها بميزان من الذهب قبل أن يدفع بها إلى المطبعة. 

يقول المثل المأثور إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، ويقال إن الابتلاء يكون على قدر حب الله لعبده. وكان (ابتلاء) موسى عظيماً. ابتلاه الله في أعز ما يهبه الله لعبد من عباده: (الأبناء). خرج ابنه البكر (محمد الخاتم) من منزله، ولم يعد حتى فارق موسى الدنيا. ثم اختار الله ابنه الآخر (وائل) والذي كان يحلو له أن يسميه (الما شاء الله) اختطفه المنون في حادث حركة وهو في ريعان شبابه. كتب كتابه الشهير (الراحلون). قلت له متى يأتي الذي يكتب عنك باعتبارك من (الراحلون)؟ كان يقول لي :أنا سأكتب عنك أنت. رحمة الله عليك يا موسى وجعل البركة في (أخوات الخاتم ووائل) وجمعنا بك في مقعد صدق عند مليك مقتدر. آمين…أمين…آمين… اللهم آمين..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى