تأجيل أم تعليق؟؟

* بعد حدوث (انفراج نسبي) في واقع الأزمة السياسية السودانية عند توقيع الاتفاق السياسي الخميس الماضي بين “قحت” والمجلس العسكري، بدأت نذر خلافات في الأفق، فبعد أن تفاءل كثيرون باقتراب السودان من حالة الاستقرار المنشود، بإقرار نظام سياسي (متراضى ومتفق) حوله.. في أعقاب الإطاحة بالبشير وحزبه الذي كان متحكماً في مسار العلاقات السياسية لثلاثين عامًا.. بعد كل ذلك التفاؤل، بدأت نذر الأزمة تطل من جديد، خاصة بعد تأجيل أو (تعليق) المفاوضات حول الإعلان الدستوري والتي كان متفقاً عليها أمس الجمعة، لأجل البلوغ بالتفاوض إلى نهاياته وتوقيع اتفاق يعيد حالة الاستقرار المفقودة للسودان، والاتجاه نحو تشكيل حكومة انتقالية ذات مهام كبيرة طالما انتظرها السودانيون، وهم يعيشون واقعاً مزرياً من حالة عدم الاستقرار أو الاحتقان السياسي الذي قاد إلى استقطاب حاد وسط النخب السودانية والقطاعات الشعبية.

* ثلاثة أشهر ــ تزيد قليلاً ــ والبلاد تعيش حالة من الفراغ التنفيذي، منذ إطاحة البشير في الحادي عشر من أبريل الماضي، تخلل هذه الشهور واقع متباين من الشد والجذب بين المجلس العسكري والشارع الثوري السوداني، كانت أقرب غلى المباراة بين فريقين كل منهما يسعى بقوة إلى السيطرة على الساحة وإنكار الآخر.. بيد أن الأمر ليس معقداً بالطريقة التي يرسمها عقل العصبة المتحكمة الآن ــ في السلطة (المجلس العسكري).. والمتحكم في تهييج الشارع (الحرية والتغيير).. كلاهما شريك التغيير الذي جرى في السودان، ولكليهما (نصيب) في تشكيل الفترة الانتقالية وتحديد هياكلها، وكان من الممكن الوصول إلى حالة التراضي عن طريق التفاوض والحوار، وهو ما نجحت فيه الوساطة الأفريقية.

* إلا أن النتائج لم تكن مُرضِية للشارع السوداني، الذي يبحث عن الاستقرار السياسي، المفضي نهاية المطاف لاكتمال هياكل الفترة الانتقالية.. *ذ لم تكتمل فرحة الناس بتوقيع اتفاق الأحرف الأولى على الوثيقة السياسية، وانتظارهم على أجنحة الشوق إكمال الاتفاق صبيحة الجمعة على الإعلان الدستوري، حتى سرى نبأ تأجيل التفاوض ثلاثة أيام أخرى دون إبداء أسباب خلاف لـ (اخضاعه للمزيد من المشاورات).

* في ذات اليوم المقرر لإكمال التفاوض والتوقيع على الإعلان الدستوري الذي يحدد بشكل قاطع صلاحيات ومهام الحكومة الانتقالية بمجلسها السيادي، ومجلس وزرائها ومجلسها التشريعي.. في ذات هذا اليوم سافر بعض قادة الحرية والتغيير إلى أديس أبابا للانضمام إلى وفدهم هناك ــ وهو الوفد الذي يفاوض الجبهة الثورية ــ ومن أبرز هؤلاء المهندس عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني.. ويبدو أن مفاوضات أديس أبابا مع (حملة السلاح) هي التي أجلت مفاوضات الجمعة على الإعلان الدستوري.. حيث شكّل حملة السلاح ضلعاً مهماً في المعادلة السياسية السودانية خلال الثلاثين عاماً الماضية، وأي اتفاق سياسي يستبعد هؤلاء من معادلة الحل، يجعل من العسير الوصول إلى توافق واستدامة للسلام في بلد لم تسكت فيه فوهات البنادق لما يزيد عن ثلاثين عاماً.. معادلة حملة السلاح تتجاوز حقبة الإنقاذ الوطني إلى ما قبلها في الحكم الديمقراطي، وأثناء وقبل حقبة مايو، لذلك الاهتمام بهذه الفصائل سبب رئيسي في استدامة السلام، وإيجاد حلول جذرية للمشكلة السودانية.

* نتوقع أن تخوض مفاوضات أديس في إيجاد صيغة سياسية تؤدي لمشاركة حملة السلاح في الفترة الانتقالية، إضافة لغشراكهم في فحوى التفاوض مع المجلس العسكري.. إلا أن الأطراف التي أعلنت رفضها للاتفاق مثل الحزب الشيوعي يبدو من ظاهر الأمر أنها لن تقبل إلا بموقع المعارض، لما حملته من آراء حادة تجاه بعض تفاصيل الاتفاق السياسي، وهو ما أعلنته مجدداً عبر تجمع المهنيين في احتشاد الساحة الخضراء ــ ساحة الحرية. ويبدو أن الشيوعي لم يبارح بعد محطة المعارضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى