المجلس العسكري.. البيان الثالث

الثابت المعلوم الآن في المشهد السِّياسي العام ثبت فيه ودُون تحامُل على جهة أو تَجَنٍ أن المنظومة السِّياسية المُكوّنة للأحزاب والجماعات من أقصى اليمين إلى طرفٍ مقاعد اليسار؛ لا فرق في ذلك بين قديمٍ يُعاد أو جديدٍ يتلمّس خطاه؛ جميعاً يُعانون من علل الإقصاء وأمراض البنيات الهشّة وديكورية المُؤسّسات فكان من الطبيعي أن يبرز بالتنظيم الواحد مئة رأي وصوت، وأن يبرز بين كل تحالفين عشرة رؤساء وقادة بارزون وغير معلومين، فلم يدهشني اختلاف قُوى التغيير والحُرية حول (مَسودة) فيما بينهم، مثلما لم يكن غريباً أن يتحوّل لقاء آخر بقاعة الصداقة للتنظيمات التي خارج التجمُّع إلى حلبة مُلاكمة وشجارٍ بالكراسي الطائرة ومُتحدِّثين، كان أفضل لهم السكوت!

هذا وضعٌ لن ينقل البلاد إلا إلى الفوضى المشرعنة، إن أخطأ المجلس العسكري وسلّم السُّلطة بأيِّ عدالة وقسمة، لأنّه وببساطة فالكل ليس في مُستوى الرشد والمسؤولية لهذا الاستحقاق؛ فمَن يعجز حتى في النقاشات ومرحلة المُبادرة، هو حتماً أعجز حينما يمنح حقائب الوزارات أو تُوكل إليه إدارة الشأن العام، في ظل ظروفٍ مُعقّدةٍ، وأوضاع أمنية مُرتبكة، وظرف اقتصادي يتطلّب حكومة كفاءات ماهرة وجُنود مُهمة، خاصة احتمالات الخطر الدائم فيها أعلى من أيِّ فرص أخرى للنجاة، وبالذي نراه من عكٍ واختلافاتٍ وانقساماتٍ وعدم دِربة، فالمحصلة الحتمية هي الفشل المُؤكّد مما يجعل حتى عملية التغيير التي تمّت ليست ذات جدوى.

الغالبية العُظمى من السُّودانيين غير مُنتمية لأحزابٍ؛ وشواغلها لا ترتبط كثيراً بالحصص والأنصبة أو حتى ثُبُوت هلال الرؤية لمن قاد الثورة أو أسقط النظام! هي شواغل تتعلّق بالحُصُول على كرامة العَيش ويسر الخدمات والأمن في الأهل والبلد، ورفع أثقال الحَال الاقتصادي الذي انهارت سُقُوفه عليهم بفعل الإدارة الخَاطئة والتّوظيف غير المُدبّر لمقدرات البلاد وثرواتها، فضلاً عن الفساد المحمي الذي جعل الثروة مدارة بين أيدي قلة وتحالفات بين السُّلطة ورجال الأعمال، وهو ما أورث الجميع هذا الشقاء المُقيم الذي تُضاعف آثاره انصرافية السياسيين الآن نحو أطماع الحكم وشَهوة السُّلطان دُون أن يهتم أحدٌ بخسائر كرام المُواطنين وشظف عيشهم وفقرهم، الذي كلّما مَرّ يوم طال من كانوا يعدون من أهل اليسر.

هذا الواقع يحتم على المجلس العسكري الانتقالي إن كانت له عزيمةٌ وصدقٌ في نقل البلاد إلى الاستقرار والعافية، يحتم عليه أولاً وبشكلٍ صارمٍ وباسم الجيش والمنظومة الأمنية التّوجُّه إلى تكوين حكومة مدنية يختارها لتكون عاملةً لمدة عامين لمُخاطبة شواغل الأغلبية من الناس في الفترة الانتقالية، التي تكون بالمُقابل في المسار السياسي الحزبي سانحةً للأحزاب حتى تبني نفسها وتُخاطب الجمهور عبر برامج تسويق سياسي وانتخابي في المُدن والأرياف والمنابر، استعداداً لانتخابات يُسلّم بعدها الجيش الأمانة لِمَن فوّضَهم الشعب وبشهادة ومُراقبة أمينة من المُجتمع الدولي.. وخَـــــلاص!

الذي يجري الآن في كل الأصعدة فوضى ولعبٌ؛ وعدم مسؤولية وإهدار لفُرص النجاح؛ ووضع للبلاد في مسار الضياع، وأظن أنّ على المجلس العسكري إصدار بيانٍ (ثالثٍ) وحاسمٍ وليتوكّل.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى