جوبا اليوم

من المنتظر  أن تبدأ اليوم  بعاصمة دولة جنوب  السودان المفاوضات بين  الحركات المسلحة والحكومة  الانتقالية التي أدت القسم  أمس وبدأ التفاوض في اليوم الأول  من عمر الحكومة يمثل إشارة مهمة لأولويات  حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك التي ينتظرها  الشعب لإنجاز مهام كبيرة اقتصادياً سياسياً ودبلوماسيًا.

وعقد  جلسة تفاوض  اليوم بمبادرة  من حكومة جنوب السودان  التي تملك مفاتيح عديدة  بيدها لتحقيق السلام وقد وضعت  جوبا في أولوياتها جمع الفرقاء السودانيين،  وقد نجحت حتى أمس في جمع الحركات المسلحة المتحالفة  مع قوى الحرية والتغيير وتلك التي خارج منظومتها ممثلة في  الحركة الشعبية التي يقودها عبد العزيز الحلو، وهي بمثابة القوة  الرئيسية التي تقود الكفاح المسلح كما أطلق عليهم ذلك رئيس الوزراء  عبد الله حمدوك . 

وبعد  جهود حثيثة  لمستشار سلفاكير  لشؤون الأمن توت قلواك،  تم التوصل لاتفاق بدء التفاوض  اليوم  

لكن  السؤال  على ماذا  تجري المفاوضات ؟ وما هي  القضايا التي ينتظر بحثها ؟ وهل  تملك الحكومة الانتقالية الإرادة  السياسية والوعي والاستعداد النفسي  والوجداني للاعتراف أولاً بالمظالم التاريخية  التي دفعت بعض أطراف البلاد لحمل السلاح تعبيراً  عن عجز النخب والدولة المركزية عن الاعتراف بتلك المظالم  والإمعان في الظلم والتجني الذي حاق بتلك المناطق؟

إذا  كانت الحكومة  الانتقالية قد تم تشكيلها  من قوى الحراك السياسي المدني  مؤقتاً، فإن قوى الكفاح المسلح تتطلع  أيضاً للمشاركة التنفيذية والسياسية التي  تجعلها شريكاً وفاعلاً أساسياً في رسم مستقبل  البلاد بعد أن تقاسمت الأحزاب فيما بينها الوزارات  ومقاعد المجلس السيادي، فإن قوى الكفاح المسلح أيضا تملك  حقاً متساوياً مع القوى السياسية في إدارة الفترة الانتقالية.  

قبل  ذلك، لابد  من الاعتراف بالمظالم  التاريخية وهي مظالم تتمثل  في ضعف المشاركة السياسية، وبإلقاء  نظرة عابرة لحكومات أكتوبر وعبود وحكومة  جعفر نميري تجد أقاليم بأكملها خارج مجلس  الوزراء ورئاسة الدولة، أما ثقافياً، فإن مجموعات  ما يسمى بالهامش تم قمعها وإسكات صوتها، ولم تفطن النخب  لأهمية التعدد الثقافي، وتم إقصاء ثقافات عديدة وإغلاق منافذ  التعبير عن الذات إضافة لسوء التخطيط في توزيع المشاريع الزراعية  مثلما حدث في منطقة هبيلا، وإذا كانت قوى الحرية والتغيير تمثل نخب  المركز، فإن قوى الكفاح المسلح يمكنها الدخول في مساومة تاريخية، والدخول  في شراكة تؤدي لاستقرار سياسي في البلاد حتى إجراء الانتخابات العامة التي  من خلالها يقرر الناخب من يستحق ثقته، والحركات المسلحة التي تفاوض اليوم في  جوبا لابد لها من تقديم تنازلات حتي لا تفقد التعاطف الذي وجدته في الأعوام الماضية  بسبب مواقف الدول الإقليمية والدولية التي بيدها مفاتيح عديدة ومن إيجابيات المفاوضات الحالية أن  الحكومة الانتقالية جعلت من الإرادة السياسية فوق الاعتبارات الأمنية والعسكرية، وما عادت المؤسسة العسكرية  تفرض وصايتها على السياسيين، وخلال ١٦ جولة تفاوض منذ اندلاع حرب المنطقتين في ٢٠١١ لم يحدث أي تقدم في المفاوضات  بسبب إصرار الحكومة السابقة والحركات المسلحة على محاولة الاتفاق على التدابير الأمنية والعسكرية والاتفاق على قضية توصيل  المساعدات الإنسانية التي لها علاقة وثيقة جدًا بالملفات الأمنية، فتعثرت المفاوضات مراراً وتكراراً لأن الوفد العسكري كان  هو من يقرر في مصير التفاوض وليس الإرادة السياسية.  

الآن  اختلفت  الأوضاع وأصبحت  الإرادة السياسية  هي الحاكمة والضابطة  لمسار التفاوض، لذلك بمقدور  المفاوضات التي تبدأ اليوم الوصول  على الاقل لاتفاق سياسي، ووقف دائم لإطلاق  النار، ومن ثم انخراط الحركات المسلحة في تفاصيل  الفترة الانتقالية، ولن يتحقق ذلك بيُسر كما يظن البعض  ويعتقد، لأن المستفيدين من الحرب كُثر وأكثر نفوذًا في الدولة  من دعاة السلام رغم كثرتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى