بين حمدوك وحميدتي

كان حميدتي بطلاً مغواراً وفارساً جحجاحاً يصدّ عن الخرطوم كيد أعداء الدين والوطن والعروبة وأشياء أخرى.

كان حميدتي يمثل حائط صد لطموحات المتمردين الخونة الساعين لشرب القهوة في المتمة وتدنيس طهر وعفاف أم درمان من رجس الأنجاس الذين يريدون سلطة لا يستحقونها وشرفاً ليس لهم، وعندما جاءت قوات حميدتي إلى قلب الخرطوم، وتصدت لكل بوادر الفتنة وصوملة الخرطوم ولبننة السودان وبغددة أم درمان وبسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على مفاصل أمن البلاد، وصعد حميدتي بضراعه وعرق جبينه وحلال عطائه إلى منصب الرجل الثاني في دولة السودان وهو من ذهب بالبشير مكرماً لسجن كوبر، ولم يفعل فيه ما فعله عبد الكريم قاسم قائد الانقلاب برئيس الوزراء نوري السعيد الذي قيل بأنه تنكر في ثياب امرأة للهروب ولكنه نسي تغيير الحذاء، ولم يقتل حميدتي كما قتل صدام الأكراد، وحمى قيادة حزب المؤتمر الشعبي من محرقة نهارية بقاعة قرطبة من قبل الثوار الثائرين.

ولم يسع حميدتي لعضوية المجلس العسكري ومنصب النائب، بل كل المنظومة الأمنية هي من أجمعت على ضرورة أن يضم مجلس الثورة الفريق حميدتي، واشترط الفريق البرهان أن يصبح حميدتي نائباً له لتولي المهمة بعد استقالة الفريق عوض بن عوف.

ولكن اليوم يتعرض حميدتي الذي كان بالأمس بطلاً مغواراً لهجوم عنصري بغيض من كل العنصريين الذين أخذوا يدعونه بالخليفة التعايشي الثاني، وفي ذلك أيما شرف أن يشبهوا حميدتي بشهيد أم دبيكرات الذي صعدت روحه لبارئها وهو جالس على (فروته) مستقبلاً الموت لا مستدبراً وهارباً.

وتمددت الحملة في الأسافير من سفهاء اليسار وحيارى الطائفية والعنصريين الإسلاميين جميعهم ينهشون في عظام الرجل بلا رحمة ولا خلق ولا أخلاق.

ولأن العنصرية لا تعرف الحدود وتتجاوز جغرافية وتضاريس الانتماء الضيق، وقبل أن يصبح ترشيح أحد أبناء كردفان الأكفاء حقيقة ويتم اعتماده رئيساً للحكومة الانتقالية، بدأت حرب العنصريين على الدكتور عبد الله حمدوك، قالوا عنه خريج اقتصاد زراعي، وليس خريح اقتصاد، وقالوا عنه إنه لم ينتم للثورة والثوار، ولم يكتب يوما تغريدة واحدة لمناصرة الثورة، وحتى الدكتور محمد ناجي الأصم الذي أعلن الأسبوع الماضي عن ترشيح المهنيين للخبير حمدوك، عاد مهرولاً بعد ثلاثة أو أربعة أيام، وأنكر كلامه بعد أن تعرض لضغوط من العنصريين الذين ساءهم أن يتقدم التقدميين رجل خبير أجمعت على تجربته الثرة دول “الكوميسا” ورشحته أميناً عاماً لها، دع قوى الحرية والتغيير التي تتهافت على المناصب تهافُت الذباب على الشراب.

هل يمكن مقارنة خبرات حمدوك وقدراته وعلاقاته الواسعة بكل بقية المرشحين لمنصب رئيس الوزراء أم إن المسالة لا علاقة لها بالكفاءة ولا العطاء، وإنما تحركها أشياء أخرى لتتسق حملة “التتار” ضد حميدتي مع حملة “الباشبوزق” ضد حمدوك الذي عرقياً ينتمي إلى كنانة قريش عشيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكاديميا درس الاقتصاد الزراعي وعملياً ارتقى أرفع المناصب دولياً، وسياسياً ينتمي لليساريين الديمقراطيين، ومن قلب الحزب الشيوعي صانع وأب الحرية والتغيير الشرعي، فمالكم كيف تحكمون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى