الواقع المُزري

شبع السودانيون حريات وانفك قيد الأقلام، وعادت الديمقراطية وأصبحنا أحراراً من كل قيد، وعاشت بلادنا تجربة لم تعشها غيرها من البلدان، أربعة أشهر بلا وزارة خارجية، وبلا وزارة صحة ورعاية اجتماعية، وبلا حكومة مسؤولة عن الحياة المدنية، وتكفل المجلس العسكري عبر لجانه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية بإدارة البلاد كضرورة فرضها واقع ما بعد سقوط النظام السابق، وما قبل الاتفاق على الحكومة الانتقالية المدنية.

اليوم تنعقد مباحثات بين (الشريكين)، نعم هم شركاء مهما حدث من تجافٍ وتباغُض ومناوشات، ولكن أخيراً عاد الصفاء وتذكرت الاطراف صلات القربى وفاضت دموعها بعد أن سالت الدماء في الشوارع. وجلسة اليوم تعقبها جلسات ومفاوضات لقسمة كراسي السلطة وتحديد الصلاحيات ووضع دستور يحكم العلاقات الرأسية والأفقية في دولة مدنية ديمقراطية بعيداً عن الدولة الدينية المتخيلة والمثال الذي اختلف السودانيون حوله، وتنشط اللجان المشتركة والمفاوضات خارج الحدود بين الشركاء والفرقاء وتفيض الشوارع بالاحتجاجات والمتاريس والصحافة تكتب عن صراعات السياسيين والانقلاب العسكري وما تبعه من حملة اعتقالات وسط الإسلاميين، كل ذلك يحدث في المسرح السياسي الذي يعاني من زيادة في السيولة.

ولكن في الطرف الآخر يقف المواطنون على خط الفقر والجوع والأسعار المتصاعدة والانقلات الكامل في السوق، وتدهور الخدمات، والنخب المتصارعة لا تلقي بالاً لما يعانيه المواطنون من عوز وفقر وعجز عن توفير الحد الأدنى من ضرورات البيت الذي انقطعت صلته بالثورة عند قفة الملاح الوحيد الذي بات يتوسط صينية الغداء، وبلغ سعر كيلو الضان ٤٠٠ جنيه وسعر كيلو الطماطم ٢٠٠ جنيه وربع البصل ١٧٥ جنيهاً وكيلو البامية ١٠٠جنيه، وبلغ سعر جوال الدخن بمناطق الاستهلاك ٢٤٠٠ جنيه، وجوال الفتريتة ١٨٠٠ جنيه، وسعر جوال السكر سعة ١٠ كليو ٣٧٠جنيهاً واستحالت الحياة على الطبقات الفقيرة في المجتمع، وتوالت أزمات نقص الدقيق بعودة الصفوف امام المخابز بعد أن أصبح السوق بلا رقيب وتسرب الدقيق المدعوم إلى أفواه القطط السمان القديمة والجديدة.

وأطلت كذلك أزمة الوقود في الأيام الأخيرة خاصة الجازولين، وتأثر الموسم الزراعي المطري بضعف الاستعداد له بسبب غياب الحكومة وتأخر تشكيلها، وزادت مخاوف الناس من بوادر شح الأمطار حتى انقضى شهر يوليو، ولم يتبق من الخريف إلا شهر وأسبوعان حيث يبدأ الخريف في الإنصراف شمال خط عرض ٢٠ بحلول منتصف سبتمبر، هذه المخاوف من المستقبل لا تنتاب النخب المتصارعة حول كراسي الحكم والامتيازات والمخصصات التي تتنزل علي الحكام، بينما المواطنون في واقع غير غلاء فاحش وسوق كشر عن أنيابه وغرزها في جيوب الفقراء والمساكين وهدد مستقبلهم، والتعليم العالي معطل منذ النصف الأول من العام الماضي ويهدد الصراع السياسي في الخارج بتعطيل الدراسة في الجامعات مرة أخرى خاصة والساحة في الخارج تشهد استقطاباً غير مسبوق يهدد باندلاع موجات عنف في الساحة السياسية

كل هذه القضايا تتطلب في الواقع اهتماماً من النخب السياسية وتنازلات كبيرة حتى لا يفقد المواطنون ما تبقى لهم من أمل في التغيير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى