مسؤولية تقصيرية..!

“الغُمُوض مصمم أزياء انتقائي، لا يضع توقيعه إلا على تصاميم الكبار”.. أحلام مستغانمي..!

رحم الله د. “عاصم زكي” – أستاذ الطب بجامعة الخرطوم – وأسكنه فسيج جناته، كانت له سابقة قانونية شهيرة في ما يختص بمسؤولية الطبيب عن الخطأ الطبي، في مادة “المسؤولية التقصيرية”، درسناها في كلية القانون بجامعة الخرطوم، ولم أتوقّع أنّني سألتقيه يوماً ويقص على مسامعي حكايتها، وكيف انتهت لصالحه، بعد استنفاذ مراحل التقاضي..!

لتحديد مسؤولية الطبيب في القانون – بشكلٍ عامٍ – يُستخدم في بعض الدول مصطلح “عناية الرجل العادي” و”عناية الرجل الحريص”، للتمييز بين المعيارين اللازمين للحكم على التقصير من عدمه. ويكمن الاختلاف في أنّ “عناية الرجل العادي” هي التزام بسيط يُرتِّب عليك القيام بما يقوم به عامة الناس، لإتمام العمل، مثل “ما يقوم به الطبيب والمحامي والمهندس ..إلخ.. من التزام بالحدود المعقولة من الجهد الذي يتّفق ومُسمّياتهم المهنية”. أما “عناية الرجل الحريص” فهي أن يكون الشخص مُلزماً ببذل عناية من نوعٍ خاصٍ، تفوق التي يَبذلها الشخص العادي، مثل “ما يقوم به طبيب التجميل من التزامٍ بتحقيق ما تمّ الاتفاق عليه كما هو، دُون أي خطأ أو تقصير”..!

الشاهد من ذلك!. ما هو التكييف الثوري – وبلاش القانوني – لمسألة الغُموض اللا نهائي، فيما يتعلّق بأخبار خطيرة على غرار “جولات الفريق صلاح قوش – المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات الوطني – بعد إعلان المجلس العسكري عن وضعه قيد الإقامة الجبرية بمنزله الكائن بحي الراقي”؟!. وباعتبار أنّ المجلس العسكري هو الطرف الأقوى في جلسات التفاوُض بشأن مصير هذا الجسد الوطني العليل، هل تبدو التدابير التي يتّخذها بشأن الكثير من الشائعات التي تبقى حبيسة نصوص خبرية، دون الرد عليها بالتصريح اللازم – هل تبدو تلك التدابير – كافية، وشافية، بحق شعبٍ ثار على زمن “الدس والغتغتة” الذي صرّح المجلس العسكري عبر نائب رئيسه – يوماً – بأنّه قد انتهى..؟!

المجلس العسكري ينطبق عليه – في هذا الشأن – مبدأ تصنيف المسؤولية الأخلاقية – وبلاش القانونية – بمعيار “الرجل الحريص”، وليس “الرجل العادي”!. وذلك  لأسبابٍ أولها وأولاها أمد الفراغ الدستوري الذي طَالَ واستطال، بحيث بقي هو المسؤول عن تَسيير شُؤون وشجون البلاد لحين إشعارٍ آخر. فما هو التبرير المنطقي لمثل هذا الغموض الذي يكتنف بعض الأحداث والمواقف..؟!

لا يملك المرء إلا أن يشهر بالدّهشة والإحباط إزاء هذا الغُموض والصمت المُطبق الذي يقابل الضجيج العام بشأن “المسألة القوشية” التي تفاقمت أحداثها على نحوٍ دراماتيكي، بدءاً بشعور البعض بغُموض جزئي بشأن حكاية “الإقامة الجبرية”، وتفهُّم البعض الآخر، بعد اقتناعهم بكون الرجل جُزءاً من التغيير نفسه “وفي رواية قائد عملية أسماك البيرانا التي اتّفقت فيها المخابرات الأمريكية ونظيرتها السودانية على الإطاحة بالرئيس السابق”..!

ثُمّ مروراً بمبدأ السفر نفسه، لشخصية وُضعت قيد الإقامة الجبرية، وانتهاءً بقيادة ذات الشخصية لحراك عالمي عبر جولات ماكوكية لبحث الشأن الوطني في مرحلة ما بعد الثورة. من مصر – التي شهدت لقاءات بمسؤولين نافذين في المخابرات المصرية، وسياسيين معنيين بالشأن السوداني، فَضْلاً عن لقاء مولانا الميرغني -، إلى أمريكا “ست الاسم” ببنتاغونها، ووكالة استخباراتها، وسلطاتها و”بابا غنوجها”، إلى الوقوف على بوابة الملك السعودي “هيم سيلف”!. وما كان من أمر بيان “نادي أعضاء النيابة العامة” الذي صدر احتجاجاً على منع القوة المُكلفة من جهاز الأمن بحراسة منزل “قوش” تنفيذ أمر القبض عليه وتفتيش منزله..!

كل ذلك حَدَثَ ولا يزال هنالك ما يحدث، في ظل حالة من الغُموض المُدهش، يُقابلها المجلس العسكري – حتى لحظة كتابة هذا المقال ،- بالنظرات واللفتات، والصّمت الرّهيب..!

منى أبو زيد

[email protected]

 

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى