سيقان البيانو ..!

“في داخل الحلبة كما في خارجها، لا عيب في أن تسقط أرضاً، بل العيب في أن تبقى على الأرض” .. محمد علي كلاي ..!

في كتابه “أمريكا التي رأيت” قرأ سيد قطب مزاج وذائقة الأمريكان الفنية وبدائية أحكامهم التي تختبئ تحت معاطف التحضر، فالرئيس الأمريكي هو قدوة قادة العالم الجدد، والسيدة الأمريكية الأولى هي ملهمة سيدات البلاد الأُول، وكلاهما يخضعان لمزاج نقد الشارع العام وبدائية الأحكام الشعبية..!

ولعل أصدق مثال على شراسة الحروب الفنية التي تخوضها زوجات الرؤساء الأمريكان مع نُقّاد الموضة والأزياء، حكاية وجدتها في كتاب “نانسي ريجان، فضيحة في البيت الأبيض”، ذلك الكتاب الذي ملأ الدنيا وشغل الناس قبل بضعة عشر عاماً..!

الحكاية تضمنت وصفاً دقيقاً للتداعيات النفسية المدمرة لمقال واحد لا شريك له، كتبته إحدى الصحفيات – أظنها مؤلفة نفس الكتاب – عن منظر سيقان “نانسي ريجان” عند ارتدائها ثوباً قصيراً في حفل عشاء رسمي. تأثير تلك الكلمات كان أكبر من تداعيات عشرات المقالات الصحفية التي انتقدت سياسات حكومة “ريجان” الخارجية واتهمتها بالتخبط والانهيار ..!

وهكذا، بينما استطاع زوجها رئيس البلاد ــ نفسه ــ أن يتجاوز تداعيات حرج مزاحه المخجل بشأن قصف الاتحاد السوفيتي عبر ميكرفون الإذاعة الرسمية، ثم أن يتمكن من الإفلات من تداعيات آثار “حرب نجومه” على العلاقة مع السوفيت، ثم ينجح بعد ذلك في أن ينجو بحالته النفسية من اتهامات عجز الموازنة دون أن يطرف له جفن ـ بينما حدث كل ذلك – أرقَد ذلكم المقال الذي شبّه ساقيها المقوستين بسيقان البيانو سيدة البلاد الأولى طريحة الفراش لأسابيع، وبات نقطة سوداء في ذكرياتها المؤلمة، فكانت عيناها تشرقان بالدمع وينتفض جسدها قهراً كلما خطر ببالها ذلك المقال ..!
عندما دخل أوباما إلى البيت الأبيض وقفت الرقابة الفنية القاسية على أناقة زوجته ميشيل جنباً إلى جنب مع الرقابة السياسية لأداء إدارته، وبينما كان العالم يحتفي بأول رئيس أمريكي أسود، كان خبراء الموضة والأزياء في شغل شاغل بألوان وخامات وموديلات فساتين السيدة الأولى التي ستزين إطلالتها في المناسبات العامة. وكذلك يبقى الحال مع زوجة ترامب وابنته كلما لزم الأمر، وسيظل ..!

وهكذا، وبفضل المزاج الأمريكي الذي يؤله حراس الموضة، أصبح التحدي الفني الذي يواجه زوجات الرؤساء الأمريكان أكبر وأعظم تعقيداً ووقعاً من التحديات السياسية التي تواجه أزواجهن. حتى إن خوف السيدة الأولى من خطورة المقارنة بين أناقتها وأناقة سابقتها يكون في أغلب الأحوال أشد وأكبر من خوف زوجها من مقارنة أدائه بمنجزات الرئيس السابق ..!

إنها أمريكا “ورشة العالم” ـ كما قال سيد قطب – وأشهر دور الموضة الفنية، والأزياء السياسية، التي يلبس العالم أجمع من أحدث صيحاتها، خوفاً، أو طمعاً ..!

منى أبو زيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى