المَصير الذي حاقَ بالجَواز..!

لا أعارض أن أقول نكتة، لكنّني أعارض أن أكون واحدة“.. مارلين مونرو..!

هل رأيت مُتسوِّلاً – في أيِّ مَكَانٍ – يُخاطب صاحب الحَسَنة بنبرة استعلاء؟!. هل رأيت مُتصدِّقاً – في أيِّ مَكَانٍ – يكاد أن يشكر مُتسوِّلاً على تفضُّله بقُبُول صدقة؟!. قبل أن تسارع إلى الإجابة بالنفي، أنصحك – من باب التسلية على الأقل – أن تتذكّر سُلُوك مُعظم ذوي البشرة البيضاء من المُتسوِّلين الأجانب الذين كَانُوا يَقفون أمَام إشارات المُرور في بعض شوارع الخرطوم. وأن تتذكّر أيضاً تلك النظرات، والعبرات، ولغات الأجساد التي كانت تصدر عن بعض مُواطنيك في تلك اللحظات. وأرجو أن تُصدِّقني إذا ما قلت لك إنّك سوف تستدعي عبر خلايا مخك الرمادية مَشَاهِد بعض المُتسوِّلين البيض وهم يتصدّقون على بعض المُواطنين السود، بمنحهم – إيّاهم – شرف التّسوُّل في بلادهم..!

أحتاج الآن إجابتك المُقنعة على السؤال الأكثر إلحاحاً: كيف “يتبخّر” ذلك الحنان، وإلى أين “تطير” رِقّة الحَاشية تِلك، في مَشَاهِد تسوُّل أُخرى مُشابهة، في نفس الشوارع، وأمام ذات الإشَارَات؟!. مَشاهد بألوانٍ غامقةٍ وسيناريوهاتٍ مُختلفةٍ، يكون السائقون فيها هم ذات السائقين، ويكون الراجلون فيها هم ذات الراجلين، ويكون التّسوُّل فيها هو ذات التّسوُّل!. هل يبدأ التبخر – في تقديرك –  لأنّ المُتحرِّك الوحيد في تلك الثوابت – ببساطة – هو اختلاف ألوان وسحنات بعض المُتسوِّلين المُشاركين في لعبة الكراسي..؟! 

هَل يحدث الطيران – برأيك – لأنّ السائل أو السائلة “في هذه الحال” يكون من أعماق أو أطراف هذا السودان، أو لأنّه يكون – في بعض الأحيان – من جنوب أو غرب أفريقيا مثلاً؟!. هل يتبخّر الاهتمام لأنّ المُتسوِّل في مثل هذه الأحوال يتحدّث بالمذلة التي تُليق بقبح السؤال؟!. أو لأنّه يلح، ويلح، بمُنتهى الانكسار الذي يجيده أيِّ شحاذ وطني – أو إقليمي – مُحترم..؟!

ثُمّ ماذا عن المسؤول: أي المُستهدف بإخراج الصّدقة في كلا المَشهدين؟!. لماذا يكون في مثل هذه الأحوال، إمّا مُستجيباً تنقصه حفاوة، وإمّا غير مُجيبٍ لا يعوزه لُؤم.. لماذا يكون – أيضاً – إما مُتَشَكِّكاً بجدوى التّصدُّق على بعض “الأوغاد” حيناً، أو غير عابئ بإلحاح مُعظم “المُستهبلين” أحياناً أخرى..؟! 

مَا الذي يَدفع الكَثيرين منا إلى إقحام الشُّعور بالدُّونية تجاه اللون الأفتح – حيناً – أو تغليب النزعة العُنصرية تجاه اللون الأغمق – أحياناً –؟!. حتى كاد المثل الفصيح القائل إنّ “زُمّار الحي لا يُطربه” أن يخرج المُتسوِّل الأجنبي التقليدي – في هذا السودان – من زُمرة أسبابه. وحتى كاد المثل العامي القائل إنّ “الجنس للجنس رحمة” أن يطرد بعض أشكال الإحسان – فيه – من جُملة مقاصده .. وقديماً قيل إنَّ “شَرَّ البليَّةِ مَا يُضْحِك”؟!. مُجَرّد سؤال..!

بقي أن تعلم أنّ مُعظم هؤلاء الوافدين المُفضّلين الذين اختفوا من شوارع الخرطوم – اليوم – قد حصلوا على جوازات سودانية مُقابل بضعة آلاف من الدولارات. وأنّ بعضهم قد غَادَرَ البلاد، مُتسلِّحاً بجوازنا السوداني، باحثاً عن الأفضل كما يراه. وأنّ البعض الآخر قد بقي في السودان إمّا والغاً في جريمة ما، وإمّا صاحباً لمشروعٍ تجاري. وإن دعا الداعي – أيِّ داعٍ – أشهر بعضهم جوازه السوداني في وجهك، ولسان حاله يقول إنّه الأفضل..!

منى أبوزيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى