الصقع صنقور !

اشتكى الدكتور إبراهيم الأمين القيادي بحزب الأمة القومي، والذي لا أعرف هل أعيد في موقع الأمين العام أم استوعب في منصب آخر بالحزب العريق، فالرجل كثير التنقل بين وضعية التجميد والشطب و(الحردان) وهو كذلك سريع الرضا في تحولات المواقف بحزبه ! اشتكى في مقابلة تلفزبونية موجهاً حديثه للمجلس العسكري الانتقالي من الخطوط الإعلامية لبعض الصحف والصحفيين التي قال إنها تهاجم قوى إعلان الحرية والتغيير بما يخالف حالة الثورة والتغيير الجديد، وأن هذا من عمل النظام السابق، وأسأل مجاري الدمع على تلك الانتقادات وإن تجنب، وقد حمدتُ له ذلك، أنه لم يقل إن بعض الصحفيين كتائب ظل ومن أهل الدولة العميقة !

ومثل (الإمين) قرأت تصريحات لمسؤولين بقوى الإعلان وبيان لذراعهم الإعلامي شبكة الصحفيين أو مسمى من ذات الشاكلة، قبل أيام يئن ويتوجع من حراك بعض الإعلاميين بل ذهب البيان بعيداً، فشتم المدير العام الجديد للتلفزيون القومي (عيساوي) بزعم أنه ضد الثورة، ومن الأيدي العاملة على (إجهاض) الثورة و(كحت) رحمها! وهؤلاء المحتجون يعلمون أن الصحفي والإعلامي، إنما ينتج مادة ويكتب بقلمه في حدود حرية الرأي والتعبير، ولا يحمل مدفعاً أو يملك أصفاداً أو يضرب وإنما يعرض ما يرى وينقد ما يشاهد في نطاقات حراك في العمل العام لا عصمة فيه لشخص أو تنظيم أو جماعة، طالما أن الكاتب تحرى الموضوعية وتجنب التدليس والافتراء؛ ففيم الضجة إذن والصياح في فعل الحكم فيه للجمهور والرأي العام!

الغريب في الأمر أن الحملات الضارية ضد المجلس العسكري والجيش والدعم السريع لا يشملها ذاك الاحتجاج؟ رغم أنها حملات تجاوزت النقد المنطقي إلى الشتم وفظ النعوت؛ وكان تعامل العسكريين معها حضارياً بالذهاب إلى (القانون) فلم نر عضواً بالمجلس العسكري يشتكي من صحفي وكاتب في لقاء إعلامي؛ بما في ذلك طريقة غريبة في إلقاء أسئلة المؤتمرات الصحفية التي حولها بعض الصحفيين لصالة عروض درامية بسلوكيات غير مهنية! ولم يقل أحد أن صحفيين بعينهم من كوادر قوى الحرية والتغيير ومنسوبي أحزابهم يسوقون خطوطاً باسم الدولة الجديدة أو أنهم يجهضون الثورة وهم يفعلون.

ديمقراطية تجفل من نقد أقلام، فإن مناعتها ضعيفة؛ وأحزاب وقيادات ترتجف من نقد إعلاميين حتماً شيدت على باطل وأخطاء كبيرة؛ وهي بهذا النقص لن تصلح لأنها بهذا القمع والكبت بزعم حماية الثورة، إنما تؤسس لشمولية فظة ترغب في كتابات من نوع ما يرضي القيادات السياسية بالسكوت عن أخطاء المرحلة بل والعمل على إقصاء الأقلام التي قالت إن سد الطرق والشوارع فعل خطأ وأن هذا الموقف السياسي غير دقيق أو أن التنظيم الفلاني عيوبه كذا وكيت؛ فضلاً عن أن ممارسة الضغوط على الإعلام تقوض ركنين في شعارات الثورة التي قيل إنها حرية؛ سلام وعدالة، فسقط الأول في ميدان التعبير والصحف حتى قبل دخول الفترة الانتقالية! فما بالكم إن خلص الحكم إلى هؤلاء؟

هذا الوطن للجميع؛ من انتمى للحرية والتغيير أو ساند المجلس العسكري أو تخيّر طريقاً ثالثا؛ وقضايا هذا البلد للكل دور وواجب في التصويب والتبصير بشأنها؛ فمن كانت بمواقفه إشكالات وأفعاله رداءة فليلزم بيته، فإن تعرض له قلم حينها يمكنه الاحتجاج لكن طالما أن الأمر شأن عمل عام، فالتنشين قبال والصقع صنقور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى