فلا تذروها كـ(المُعلّقة)

*كل أهل السودان باتوا مُشفقين على ثورتهم، ولاهجين بالدعاء في أن ترسو سفينتها على بحر جوديهم، وما من خيارٍ غير أن يمضي الطرفان العسكري وقُوى الحُرية والتّغيير في مُفاوضات تَعبُر بهما، وتقيهما شُرُوراً تُحيط بهما، ومجموعات تتمنّى أن ينفض سامرهما وألا يجتمع شملهما.

*ومن عجب أنّ أولئك الذين يتمنّون ألا ينجح العصيان المدني وأن يفشل الإضراب السِّياسي، هم أكثر الناس الذين يدقون في طبله ويُريدون لقوى الحرية والتغيير أن تمضي إليه، لتوسِّع من فتق العلاقة بينه والعَسكري، ويظنون أنّهم يُمكن أن يكونوا بديلاً مُحتملاً له.

*ولو أنّ الأطراف مُجتمعةً استيقنوا، أنّهم ليسوا بوسعهم فَض هذه الشراكة ولا إنهاء هذه العلاقة، لغادروا محطة فلا تذروها كـ(المُعلّقة)، لأنّ هذه العلاقة جمرتها الثورة وبنتها رُوح المُقاومة، يوم أن كان الآخرون الشامتون واقفين على رصيف شماتتهم، يتمنّون سحق الثورة وبنيها ودَهس كُـــــل المُشاركين فيها.

*ما زلت أكثر الناس تفاؤلاً، أنّ الاشتداد الذي تشهده العلاقة بين الطرفين، إنّما هو من قبيل تَعلية المواقف التّفاوُضية، ومن قبيل الإحماء الذي يسبق المُنافسات، وتعقبه التّتويجات، لم تكن الأطراف المُختلفة تحتاج إلى اختبار قُدرة شريكها، ولا إلى مُواجهته حَدّ مُصارعته وصرعه.

*صحيحٌ أنّ السّاحة الآن تشهد تصريحات نارية، فالمجلس العَسكري من جانبه قال، إنّ التفاوُض يسير بوتائر ضعيفة، وإنّ هذا ربما غلب خيارات أخرى، وقُوى الحُرية والتّغيير تقول، إنّها بإضرابها وبعصيانها تريد أن تَثبت إرادة قاعدتها وأن تُؤكِّد على مدنية سُلطتها.

*ما زلنا لآخر لحظة ننتظر أن تتغلّب خيارات التقارُب على خيارات التّباعُد، وما زلنا نرجو أن تنتصر إرادة المجلس القيادي داخل قُوى الحُرية والتّغيير، لتعبُر من المواقف الخلافية إلى المواقف المُتّفق عليها، والتي تُوفِّر عُبُوراً آمناً يفادينا الاحتدادات والاشتدادات.

*وما يطمئن أكثر أنّ اللقاء بين الطرفين لم ينقطع، وأنّ التواصُل لا يزال على أشدّه، وأنّ منهجاً جديداً في التفاوُض ربما تمّ الاتفاق عليه، وأنّ جُسُور الثقة وبناءها هي التي تُوفِّر رافعة يُمكن أن يبنى عليها، وأن يتم الانطلاق منها.

*ومهما تكن نتيجة الإضراب السِّياسي والعصيان المدني إن مَضَى لآخر شوطه، فإنّه لا مناص في أن يجلس الطرفان إلى بعضهما، وأن يُعالجا الفتق الذي وقع بينهما، لأنّه إن لم تسد روح الثقة بينهما، فلن يكون بوسعهما أن يُحقِّقا النتائج المرجوّة في الفترة الانتقالية التي ستجمعهما.

*وحتى كتابة هذا المقال، ما زلنا في انتظار معجزة من السماء تعصمنا من الذهاب إلى الخيارات الصفرية، التي تُبَدِّد شمل ما اتّفقنا عليه وتذرو ما تَوافقنا واجتمعنا عليه، على الجميع أن يتذكّروا أنّ هذه الثورة كانت خيار شعبنا، وأنّ المُعاناة التي عاشها ينبغي أن تَدفعنا لتجنيبه مَشَقّات المُواجهات النّاشبة والمَعارك الكلامية اللاهبة.

*علينا أن نستشعر عظمة شعبنا، وشعارات ثورتنا في الحُرية والسَّلام والعَدَالة، كلّها ستقينا مَخَاطر تتربّص بنا، وثورة مُضَادَة تنتظر ُفرصتها للانقضاض علينا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى