العاصمة البديلة

*امرأة مسنة أطلقت زغرودة أمس وسط شباب الديم وهم يحتفلون بالتوقيع على الوثيقة الدستورية ورفعت كفيها للسماء داعية أن تنعم البلاد بالخير والرخاء والسلام.

*فرحة أهل السودان قاطبة والخرطوم تحديداً جعلت جل الشوارع مغلقة بالزحام، فالجميع خرج ليحتفل بنهاية هذه القصة التي طالت فصولها، وشهدت الخرطوم اختناقاً مرورياً أشبه بالذي كان أيام المتاريس والاحتجاجات التي استمرت شهوراً طويلة.

*صباح أمس انتهى زحام الاحتفال وبدأ زحام الأمطار التي أغلقت معظم شوارع الأحياء بالخرطوم وطرقها الرئيسية، وأصبح العبور بهذه الشوارع يحتاج لمهاراة عالية في القيادة حتى تتفادى الحفر والمطبات.

*السماء عبرت عن فرحها بالاتفاق والشوارع وعبرت عن غضبها من مياه الأمطار التي لا زالت راكدة ترفض المغادرة ولو بأمر المحليات.

*ظللنا عند كل خريف نكتب عن سوء الشوارع في هذا الفصل من العام، وظللنا ننبه إلى ضرورة التحضير مبكراً للأمطار، ولكن لا تتم استجابة سريعة.

*ربما هذا العام كان الوضع مختلفاً حيث يأتي الخريف والبلد دون حكومة تدير شئونها، وعلى الرغم من ذلك، اجتهدت هيئة الطرق والجسور بالخرطوم في فتح المصارف وتشييد أخرى جديدة لتسهم في الاستمتاع بهذا الفصل الجميل.

*البنى التحتية تحتاج للكثير من الأموال وإعادة خارطة الخرطوم تحتاج لإبداع المهندسين، وفتح ميزانية الصرف، لذا يجب التفكير جيدًا في عاصمة بديلة تكون بمواصفات عالمية كما كانت الخرطوم حينما خرج منها المستعمر.

*العاصمة البديلة فكرة كانت موجودة، ولكنها لم تنفذ لأسباب مجهولة، ويجب أن تكون هي أحد المشروعات القادمة للحكومة الجديدة، وللنظر لأبوجا وكيجالي وغيرهما من المدن التى قامت بمواصفات عالمية في مساحات شاسعة تفتقدها العاصمة المثلثة التى كانت في السابق والعروس في ليلة زفافها وأصبحت الآن كالعروس التى مضى على زواجها عقد من الزمان.

*الخرطوم بوضعها الحالي لا تصلح أن تكون عاصمة حضارية، ولابد من وجود عاصمة بديلة يتم التخطيط لها لتكون واجهة حضارية لبلد هو القائد لأفريقيا حتى وقت قريب.

*نشعر بالخجل كثيراً حينما نزور بعض المدن العربية والإفريقية والتي كانت خلفنا في السابق ونقارنها بالخرطوم التي كان يحلم بمثلها بعض قادة العرب، نشعر بالحياء عند الوصول لمطار الخرطوم، ونشعر بالإحباط بعد هطول الأمطار ونشعر بالاستياء حينما نسمع التصريحات الفخيمة عن تحقيق الإنجازات في طرق الخرطوم ونحن نخوض مياه الأمطار في سبيل الوصول لأعمالنا٠

*كل شيء في الخرطوم محبط.. الطرق .. مصارف المياه.. المطار.. المستشفيات.. المدارس.. الأسواق، كل شيء يشعرك بالإحباط ونحن نرى المدن تتقدم ونحن نتأخر، ونرى العواصم تزدهر والخرطوم تذبل.. أصبحنا نهم لغيوم السحب وغياب الشمس عن السطوع خوفاً من غرق منازلنا واماكن عملنا ومدارسنا المتواضعة.

*السودان في السنوات القادمة يحتاج لعاصمة جميلة ومنظمة ومخططة بصورة حديثة وكل هذه الأشياء لا تتم مع ضيق مساحات الخرطوم وتداخل مبانيها، لذا يجب التفكير جيداً في إنشاء عاصمة جديدة تتوفر فيها كافة مقومات الحداثة.

*نسأل الله أن يحفظ الخرطوم وأهلها في مقبل الأيام من الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة التي تهدد بعض المناطق، ونسأل الله أن يجعل خريف هذا العام فيه الكثير من البركة على أهل السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى