المنـــاصــــب !!

تشهد البلاد في هذه الأيام تعيينات لأعضاء المجلس السيادي ومجلس الوزراء بعد الاتفاق الذي تم توقيعه بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، ووفق ما هو معلن للعامة والخاصة فإننا نطمع أن تتم التعيينات كما أعلن سابقاً : (كفاءات) (غير حزبية) (مستقلة) والأمر كله بيد الله تعالى وحده، هو مالك الملك وهو مقدر الأمور، ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله وحده العزيز الجبار.

نرجو أن تكون الكفاءات المستقلة التي لا تنتمي إلى أحزاب ولا تأتي عن طريق المحاصصات يتحقق على يديها الخير لبلدنا – الغالي الحبيب ولشعبنا الأبي الكريم الصابر – في الدين والدنيا، وآجل أمرنا وآخرتنا وعاجله، وأن يجعل أصحاب المناصب المختارين بطانة صالحة ناصحة تجتمع فيها (القوة والأمانة)، ينصرون الدين ويساهمون في المحافظة على الدنيا..

وحيث أصبح من فقد المنصب يُعزَّى، ومن تقلّد المنصب يُهنّأ !! كان لزاماً أن أجدّد الذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين، إظهاراً للحق الواضح، وتصحيحاً للخطأ المنتشر، وتحذيراً وتنبيهاً لمن يتم اختيارهم في هذه المناصب فأقول:

إنّ كل من تقلّد منصباً – صغيراً كان أم كبيراً – ينبغي له أن يقف وقفة صادقة مع فقه هذا الحديث:

عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِى قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِى ثُمَّ قَالَ: « يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا » رواه مسلم.

فهل من يتقلّدون المناصب ويفرحون بها وقفوا على معنى هذا الحديث العظيم؟!

قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: (هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلاً لها أو كان أهلاً ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط، وأما من كان أهلاً للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث سبعة يظلهم الله والحديث المذكور هنا عقب هذا أن المقسطين على منابر من نور وغير ذلك وإجماع المسلمين منعقد عليه، ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذر صلى الله عليه وسلم منها وكذا حذر العلماء وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا) أ.هـ.

ورحم الله الإمام النووي فقد أجاد على عادته بهذه العبارات الموجزات، وقد نقلها عنه بعض العلماء وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري (فتح الباري).

فهل أنت يا صاحب الوزارة أو الولاية أو أمثالهما أهل للمنصب الذي عينت فيه ؟! وهل ستقوم بأداء ما وجب عليك من مسؤوليات ؟! وهل قد أمنت فتنة المنصب الذي جلست على كرسيّه ؟! وما قاله النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق لأبي ذر يوجب على كل حاكم أن يعين في هذه المناصب وأمثالها أهل الكفاءة، والمؤهلين (بحق) فيها، وقد ورد ملخص صفات الأهلية لذلك في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قال الله تعالى: (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، فأبوذر صحابي كريم وجليل وله مناقبه العظيمة الثابتة وهو من أئمة الزهد في الدنيا والبعد عن زخرفها، والإقبال على ما عند الله، رضي الله عنه وأرضاه، فوجّهه النبي الكريم هذا التوجيه العظيم، والناس يتفاوتون في صفاتهم وأحوالهم، وهذا منهج وضعه النبي عليه الصلاة والسلام الحريص على أمته لتعمل به أمته، رعاة ورعية ، حكاماً ومحكومين، وبه تحفظ الحقوق، وتؤدى المسؤوليات، فلا يقدم الشخص نفسه للمنصب الذي لا تتحقق فيه شروطه وأوصافه، كما أن الحاكم لا يعين من لا يتحقق فيه ذلك.

فليتدبر الخائف على آخرته ومصيره قول الصادق الأمين: (وإنها يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)، وليبحث عن طريق نجاته، وهذا هو المستقبل الحقيقي إن أدركوا وعلموا.

إن في هذه المناصب وأمثالها مسؤولية عظيمة لا تخفى على الصغير والكبير، خاصة في بلدنا السودان وأمثاله، فنحن في بلد تحيط به الفتن والابتلاءات والمصائب في الماضي والحاضر، ونسأل الله أن يلطف به وبأهله في المستقبل، فالمسؤولية عظيمة ويترتب على هذه الوظائف حمل ثقيل يوجب على من يقدم علىها، أو يقبل التعيين فيها أن ينظر لنفسه ومسؤوليته ويتذكر سؤال الله تعالى له، وما يترتب على تفريطه في مسؤوليته في العاجل والآجل، فإن المخالفات الشرعية، والظلم والتفريط في حقوق العباد، وإن أخذ المال بغير حقه، أو التقصير في القيام بالواجبات وغيرها من الأمور هي من أسباب عقوبات ربانية عاجلة أو آجلة، وإن الله جل وعلا سميع بصير قادر لا تخفى عليه خافية.

إنها المسؤولية التي جعلت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :

(لو ماتت شاةعلى شط الفرات ضائعة لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة) رواه أبو نعيم في الحلية وهو حسن لغيره وهذا شأن عمر الخليفة الراشد الإمام العادل الذي نزل القرآن موافقاً لما اقترحه وقاله في عدة مواضع!!

إن تقلد الشخص لهذه المناصب وأمثالها، يوجب عليه أداء حقوق عظيمة، ويوجب عليه القيام بما كلف به على الوجه الذي يجب القيام به دون التقصير فيه ويوجب عليه الحرص على السلامة من تبعاته، لذا كان السؤال الذي يجب أن يكون ملازماً لكل شخص يقدم على هذه المناصب بعرض نفسه للتعيين أو قبوله للتعيين أو ترشيح نفسه أن يسأل نفسه: هل هو أهلٌ لذلك؟! ويتضمن هذا السؤال العام في طياته تساؤلات عديدة منها: هل بما يعلم من حاله أنه يمكنه القيام التام بما وجب عليه من مسؤوليات؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى