إلى الشيوعي صديق يوسف (3)

هذا هو حجم الحزب الشيوعي

لك أن تتعجّب وأنت تشاهد الشيوعي صديق يوسف في لقاء تلفزيوني معه يلوح بأصبعه وهو يتحدّث بلسان الآمر الناهي في شؤون السودان وأهله، بل وشؤون الجيش وتحالفاته!! وكأنه لا يعرف حجم حزبه الذي هلك في مسقط رأسه، وكأنه لا يدرك الشهادات التي حرّرها ويحررها أهل السودان قديماً وحديثاً في حكمهم على الشيوعيين ورفضهم لهم، بل يكفي أن يقال: فلان شيوعي !! فلن يحتاج بعدها أي شخص لتفصيل إذ هي كافية في التنفير والتحذير والبراءة من الضلال الخطير. ويبدو أن الناطق باسم الشيوعيين وجد نفسه في حالة نشوة، فأراد أن (يخم) بلسان حاله وجرأة تصريحاته من لا يدري!!

إن كثيراً من الناس في بلادنا يجهلون معلومات كثيرة ومهمة عن تأريخ الحزب الشيوعي السوداني، وهذه إشارات لبعض المحطات في تأريخ هذا الحزب الذي مات بموت فكرته وأسسه التي ارتبطت بقيامه في مسقط رأسه ، وللقارئ الحريص البحث لمعرفة المزيد، وإن تيسّر لي من الوقت سأنشر سلسلة حلقات في هذا الأمر تبصيراً للشباب والفتيات خاصة بمجتمعنا ممن لم يتيسّر لهم الاطلاع على تأريخ هذا الحزب الذي يظهر لأعضائه – وهم قلة – في مجتمعنا بين حين وآخر.

(1) طرد من البرلمان!!

طرد الشيوعيين من البرلمان في ما يسمى بالديمقراطية الثانية!! 

تم عرض الاقتراح التالي في وقائع الجلسة رقم «20» للجمعية التأسيسية الدورة الأولى بتاريخ الإثنين 15 نوفمبر 1965: 

إنه من رأي هذه الجمعية التأسيسية بالنسبة للأحداث التي جرت أخيراً في العاصمة والأقاليم وبالنسبة لتجربة الحكم الديمقراطي في هذه البلاد وفقدانه للحماية اللازمة لنموه وتطوره، أن تكلف الحكومة للتقدم بمشروع قانون يحل بموجبه الحزب الشيوعي السوداني، ويحرم بموجبه قيام أية أحزاب شيوعية أو أحزاب أو منظمات تقوم مبادئها على الإلحاد أو الاستهتار بمعتقدات الناس أو ممارسة الأساليب الدكتاتورية.

قدم الاقتراح: 1. عبد الله الطيب جدو الدائرة 137 الفاشر الغربية.

  1. عبد الرحمن أحمد عديل الدائرة 203 حمر الشرقية.

3.عبد القادر أوكير الدائرة 173 أروما.

4.محمد كرار كجر الدائرة 177 الأوليب.

5.مضوي محمد أحمد الدائرة 67 المسيد.

6.محمد يوسف محمد دوائر الخريجين.

وجرت مداولة وقفل باب النقاش باقتراح من السيد عبد الحميد صالح وزير شؤون الرئاسة، وعرض الاقتراح للتصويت وأجيز بأغلبية:

151 المؤيدون 12 المعارضون 9 الممتنعون.

 

(2) غدر بالنميري ومجزرة بيت الضيافة

جاء الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري رحمه الله إلى الحكم في مايو عام 1969م والشيوعيون يلتفون حوله ويحيطون به، وقد نظموا له القصائد وأنشدوا له الأناشيد وكانوا يرددون بلسان شاعرهم : (في شعاراتنا مايو ..ورسم شاراتنا مايو ..أنت يا مايو الخلاص يا جداراً من رصاص يا حبالاً للقصاص من عدو الشعب …) و (يا حارسنا ويا فارسنا ..) (جيتنا وفيك ملامحنا) (ها أنت تعود إذن يا سيدنا.. حسنا!! ….. لك آخر ما في جعبتنا.. أن نقتل أصبح أسهل من إلقاء تحية.. أن نطلق في الرأس رصاصة.. أن نغرز في الصدر الخنجر.. أن نشنق أن نخنق أن نبتر.. أن نمسح حد السيف بحد اللحية.. أصبح يا سيدنا أسهل من إلقاء تحية).. وغير ذلك.. 

وشاركوا معه فترة عامين وقرابة الشهرين وحصل في تلك الفترة وهم في قيادات حكومة مايو مجزرتي الجزيرة أبا وود نوباوي بأم درمان  .. لكنهم سرعان ما انقلبوا عليه و(غدروا) به وقاموا بانقلاب فاشل في يوليو عام 1971م وحدثت تلك الأحداث المؤلمة، وخرج الشيوعيون يؤيدون انقلابهم في يومه الثاني رافعي الرايات الحمراء في وسط الخرطوم، وهم يهتفون : (يا نميري يا جبان الشيوعيون في الميدان) .. و (طبقيون أمميون سائرين على طريق لينين) و (الخرطوم ليست مكة).. وسموا انقلابهم الثورة (التصحيحية) فأرادوها (ماركسية لينينية خالصة) حيث يرون أن النميري جعلها (تقدمية).

نعم؛ قد أحدثوا انقلاباً كانت لافتاته التي أيدته ثاني أيامه (حمراء) وسالت بسببه الدماء (الحمراء) فيما اشتهر بمجزرة بيت الضيافة في يوليو عام 1971م. 

وحتى انقلابهم (الدموي) وغدرهم بالنميري ومواثيقهم معه لم يستمر أكثر من ثلاثة أيام !! إذ كان بين يوم 19 وحتى 21 يوليو عام 1971م.. فقط لا غير!! 

فقد عاد النميري في أقل من ثلاثة أيام للحكم وتبرأ منهم، وحظر حزبهم.. وخاصم الشيوعية للأبد وحكم على قادة الانقلاب وقادة الحزب الشيوعي الرائد هاشم العطا وعبد الخالق محجوب والشفيع وغيرهم.. وإن في التاريخ لعبرا لمن يعتبر!!

وإن ما حصل في بيت الضيافة من مجزرة بشرية قام بها الشيوعيون صارت الأرض بحراً من الدم والشهادات والإفادات عن هذه المجزرة موثّقة على صفحات الانترنت وبموقع (اليوتيوب) خاصة.

 

(3) في آخر انتخابات ما يعرف بــ (الديمقراطية الثالثة)

إن (الشيوعية) نبتة سيئة ضارة مضرة لا تقبلها أرض السودان.. بالفطرة مرفوضة من غالبية ألوان الطيف في السودان رغم التفاوت العقدي والفكري بينهم .. وتعتبر كلمة (شيوعي) كلمة مخيفة منفرة في أوساط الكثيرين.

هذا الفكر ظل مرفوضًا في هذا المجتمع على مر العقود السابقة ومما يستشهد به في ذلك : أنه بعد نهاية حكم النميري .. ومجيء حكومة الأحزاب فيما يسمى بالديمقراطية الثالثة.. وفي وقت يعتبر هو قمة ممارستهم لأنشطتهم الفكرية وصدور صحيفتهم (الميدان) يوميًا.. نال الحزب الشيوعي في تلك الانتخابات ثلاثة مقاعد فقط في البرلمان الذي كان بين عام 1986 ـ 1989م.. نعم (ثلاثة) مقاعد من مجموع المقاعد التي تقارب الأربعمائة مقعد.

إن الحزب الشيوعي السوداني (العجوز) الذي تدهده رأسه وتكسر في موطن نشأته؛ والذي كان ولا يزال في عزلة مستمرة عن عامة أهل السودان رغم اختلاف الحكومات، فإن فترة ما بعد السادس من إبريل عام 1985م كانت لهذا الحزب فترة فشل مركب، فشل خاص بعد العام .. حيث لم يصل عدد مقاعد الحزب الشيوعي في (الجمعية التأسيسية) البرلمان في انتخابات عام 1986نسبة (1٪) من جملة المقاعد، إذ لم يكتمل عدد مقاعدهم في تلك الفترة ليشكّل أصابع اليد الواحدة رغم حراك عضويتهم في تلك الفترة، وصدور صحيفتهم (الميدان)، وإقامتهم الندوات والمحاضرات وتوزيعهم الملصقات!!

فما بالهم يتباكون على السادس من أبريل عام  1985؟! كما إنهم – بلا خجل – كانوا ولا يزالون يتباكون على أكتوبر 1964 !! رغم أنه قد تم طرد عضويتهم من البرلمان الذي تكوّن بعد ثورة أكتوبر بأغلبية ساحقة حفاظاً على الدين والعقيدة !!

هذا هو حجم الحزب الشيوعي في القديم والحديث، وهذه هي قيمته في أحوال السودان المختلفة وحكوماته المتعاقبة منذ الاستقلال وحتى اليوم، فليلزم صديق يوسف أو غيره من الناطقين باسمه غرزهم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى