حول حديث برهان

 حظي باهتمامٍ كبير، حديث الفريق أول عبد الفتاح برهان عبد الرحمن رئيس المجلس العسكري الانتقالي، إلى رؤساء تحرير الصحف ظهر الجمعة أول من أمس، في لقاء امتد حتى الخامسة عصراً، ليس لكونه أول لقاء مباشر مع الصحافة والصحفيين، إنما لأهمية توقيته وخطورته والمعلومات والقضايا التي تمّت مناقشتها خلال اللقاء بمكتبه بالقيادة العامة.

 وقد كانت هناك إجابات على أسئلة كثيرة تدور في أذهان الصحفيين وكل السودانيين، حول الأوضاع الراهنة، وكيف تُدار أزمتها بين فريقين، كان الظنُّ أنهما شركاء بعد التغيير الذي تمَّ. وأول ما يُلفت في لقاء الفريق أول البرهان، أنه كان صريحاً للغاية وحصيفاً بما يكفي في تجنّب مزالِق الكلام أو الوقوع في دائرة المحظور، كما كان وافر المعلومات ودقيقاً في توصيل المعلومات، وهادئاً لا يُستَفَز مهما كانت درجة حرارة وسخونة أسئلة الصحافيين.

وسيطرتْ قضايا الحوار مع مجموعة الحرية والتغيير والمبادرات ومواكب اليوم على جُلّ اللقاء، وحصلنا كصحفيين على معلومات مُهمّة وتفاصيل كثيرة لها تأثير وانعكاس مباشر على الرأي العام المحلي والخارجي.

 وللحقيقة، فإن الصراحة والوضوح وحسن الظن في الصحافة من جانب رئيس المجلس العسكري وثقته العالية في من يتحدّث إليهم، أعطت اللقاء أبعاده المُتنوّعة، وأشاعت جوّاً من التفاهُم والصدق في تناوُل القضايا والتعليق والاستفسار عن ما خفي منها، وما يحتاج لتوضيحات.

أكثر ما أثار الانتباه هو تعليقاته على الكيفية التي سيتعامَل معها المجلس العسكري الانتقالي مع تحرّكات قوى الحرية والتغيير نهار اليوم، وهل سيتم التصدّي للمواكب الشعبية وقمعها ومواجهتها، أم الترفُّق بها وعدم التعرُّض لها، وترك التظاهُرات تنطلق وتخرج وعلى طريقة (دعها تعمل دعها تمُر)، فواضِح من حديث البرهان أن المجلس العسكري سينشُر قوّات على الأرض قوامُها الشرطة والقوى الأمنية والدعم السريع في كل المرافِق العامة لحراستها والمواقع الاستراتيجية لتأمينها، وستتعامل القوات بحزمٍ وحسمٍ كبيريْن مع كل مُحاولة للتخريب والاعتداء وعمليات الحرق والنهب والاعتداء على المواطنين ومُمتلكاتهم، إن حدث انحراف في مسار التظاهُرات، فلا مُجاملة ولا هوادة في ردّ المعتدي ومنعه من التدمير والتخريب.

 كذلك حوى حديث برهان الكثير من النقاط الإيجابية إذا التقطتها قوى الحرية والتغيير وأنصارُها لاستفادوا منها في تقريب وجهات النظر وإعادة المياه إلى مجاريها مع المجلس العسكري، وتحقيق مُنجزٍ تاريخيٍّ بالتوافُق السياسي وتوقيع اتفاق يؤمّن الطريق نحو الحكومة المدنية، ويُجنّب البلاد الفوضى العارمة، لكن قوى الحرية والتغيير سادرة في غيِّها لا تُريد للبلاد أن تخرج من دائرة المُواجهات والمكائد السياسية والعبث الحزبي، فهناك فرصٌ جبّارة وفعّالة كما أشار الرئيس البرهان لاحَت للجميع، ولم تتم الاستفادة منها والاستمساك بما ينتج عنها، لكن الطمع السياسي وسوء التقدير وقلة الخبرة السياسية لدى الحرية والتغيير أضاعتها، ثم عضّ بنانَ الندمِ قياداتُها ومنسوبوها ولات حين مَندمٍ.

وكان الفريق أول البرهان يُصر على أن الوقت الذي أُنفِق في ما لا طائل تحته بإطالة التفاوض، ثم مط الزمن والمواقيت في سلخ جلد النملة من جانب القوى الحزبية، أغرى الآخرين من الأحزاب الأخرى وأصحاب المصالح بالظهور والعمل والتشكيك، ولولا ذلك لقطعت البلادُ المفاوزَ والوِهاد وسلكت الطريق نحو التفاهُم، وتكوّنت حكومة تتولى أعباء العمل التنفيذي وتُدير شؤون البلاد إلى حين انتهاء الفترة الانتقالية التي وصفها بأنها يجب أن تكون فترة تأسيسية لمستقبل زاهرٍ للسودان وأُسساً متينة للنهضة والبناء السياسي تُصحَّح فيها أخطاء الماضي، ويخرج بها السودان من الدائرة الجهنمية (ديمقراطية – انقلاب عسكري – ثورة – ديمقراطية -انقلاب عسكري – ثورة).

 مثل هذه اللقاءات مهمة للرأي العام، ففيها يجد أهل الصحافة الأخبار والمعلومات والبيانات المُفيدة والمعلومات التي تُلامس هموم وقضايا عامة الناس، ويجد فيها كبارُ المسؤولين الرأي والمشورةَ النافعة والزوايا الأخرى من الصورة..

 فليتواصل العمل والجلوس بين المجلس العسكري والصحفيين لاستجلاء الأوضاع وما يدور فيها ولمعرفة الحقيقة الكاملة من دون تلوينٍ وتحوير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى