الوقت يمضي

عادت الحياة إلى طبيعتها أمس بنسبةٍ كبيرةٍ بعد إعلان العصيان من قِبل قُوى الحُرية والتّغيير، ولكن الخطوة باعدت وزادت الشقة بين المجلس العسكري وقُوى الحُرية والتّغيير، ووصلت مَدَاها الأقصى، في الوقت الذي يجري فيه مُمثل الرئيس الإثيوبي بين القيادة العامة، ومُمثلي قُوى الحُرية والتّغيير بحثاً عن خيطٍ رفيعٍ يتمسّك به ليشد به مُبادرة آبي أحمد.

منذ أول أيام الأزمة بين قُوى الحُرية والمجلس العسكري، أكّدنا أنّه لا مجال إلا التفاوُض بين الطَرفين، وحذّرنا من التّخوين وفُقدان الثقة باعتبار أنّ الطرفين شَريكان أصيلان فيما تَمّ، وهمّهما واحدٌ هو استقرار السودان وقيادة الفترة الانتقالية إلى انتخابات حُرةٍ ونزيهةٍ، يقود فيها البلاد من يضع فيه الناخب السُّوداني الثقة.

صحيحٌ نجحت الثورة، ولكن سقطت أقنعة الكثيرين مِمّن كانوا يُنادون بشعارات الحُرية والعَدل والمُساواة، بمُمارسات أبعد ما تكون للواقع، ناهيك عن الشعار المرفوع.

أحزنني جداً منظر أحد الشباب يُحاول إزالة أحد المَتاريس بالشوارع الفرعية في منطقة شمبات، وهو يُؤكِّد لي أنه مع العصيان الشامل، ولم يذهب إلى الشركة التي يعمل بها، لكنه أبدى حُزنه على وضع المتاريس، لأنّه ذاهبٌ إلى المستشفى لعمل غسيل كُلى لوالده الذي يرقد طريحاً داخل السّيّارة المُتوقِّفة أمام المتاريس.

إنّ مُبادرة رئيس الوزراء الإثيوبي تظل هي المنجاة الوحيدة للوطن في الوقت الراهن لحالة الانسداد التي نعيشها، فيجب على المجلس العسكري والذي رحّب بها، وقُوى الحُرية والتّغيير والتي قبلت بها بشروطٍ، التّعامُل معها بجديةٍ أكبر، كسباً للوقت، لأنّ أيِّ يومٍ يضيع من أيام الثورة ستكون تبعاته كبيرة.

الرهان على (مُلاواة) العَسَاكر من قِبل قُوى الحُرية والتّغيير وبالأساليب المُختلفة من عصيانٍ وإضرابٍ وغيرهما، يُمكن أن يُحقِّق نجاحاً يوماً ما، أي ليس في الوقت القريب، لكن حينها لن يكن هناك وطنٌ تأتي قُوى الحُرية والتّغيير لتُشكِّل حكومة مدنية فيه، لأنه يكون قد ذَهَبَ، كما ذهبت كثير من الدول التي تفجّرت فيها الثورات، وأصبحت نقطة اللا عودة عَصيّةً على الثُّوّار.

يجب أن تحكِّم قُوى الحُرية والتّغيير صوت العقل، وتقبل بالتّفاوُض مع المجلس العسكري، ندرك أنّ في حَلقها غُصّة مِمّا جرى صبيحة الثالث من يونيو أمام القيادة، والتي تجاوز المرارات شيمة لا يعرفها إلا الكبار، نأمل أن تعمل قُوى التّغيير باستراتيجيةٍ جديدةٍ وفهمٍ جديدٍ، والجلوس مع المجلس، بدلاً من الحالة الراهنة والتي لا تقود إلى مُستقبل ينشده السُّودانيون.

نسأل الله تعالى أن يتقبّل كل الشهداء الذين سقطوا، والعمل على مُحاسبة من تَسَبّب في ذلك، ونأمل أن يكون هذا هو المَدخل الحقيقي لاستئناف التفاوُض للوصول الى اتفاق، بخلاف ذلك نتوقّع أن يحدث ما لا يُحمد عقباه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى