لمن فاتهم الاستماع

أقر المجلس العسكري من أول يوم مبدأ تشكيل نظام حكم مدني للفترة الانتقالية، يتشكل من مستويات حكم قضائية وتشريعية، ومجلس وزراء مدني بكامل الصلاحيات المدنية المتعارف عليها، على أن يتشكل مجلس رئاسي من المدنيين والعسكريين .

* وبهذا يمكن أن نتحدث عن حكومة مدنية بنسبة خمس وتسعين بالمائة، ولم تكن نسبة الخمسة بالمائة التي يحتفظ بها المجلس العسكري إلا لخصوصية حالة الدولة السودانية في المرحلة الانتقالية .

وهذا ما يمكن أن تستوعبه المنظمات الإقليمية والعالمية والمجتمع الدولي، بأن الوجود الرمزي للعسكريين في تشكيلة المجلس الرئاسي، هو لضرورة الحفاظ على تماسك الدولة السودانية هشة التشكيل ورخوة التكوين، على أن هنالك على الأقل توجد خمسة جيوش متمردة تحيط بالدولة السودانية إحاطة السوار بالمعصم، وكل جيش ينتظر انهيار الدولة المركزية لاقتحام العاصمة القومية ومن ثم السعي لمنصات الحكم.

*ولئن كانت القوات المسلحة السودانية الوطنية بتشكيلاتها المختلفة، من الجيش وقوات الدعم السريع وجهاز الأمن والشرطة، تمثل الدولة السودانية القومية، وتعتبر صمام أمان لوحدة البلاد، في المقابل أن الجيوش المتربصة بالبلاد هي بالكاد جيوش قبلية وجهوية تتشكل من الحركات الثورية المسلحة، التي يراد لها أن ترث جيش الدولة السودانية !!

* على أن للأكمة ما وراءها، بأن الهدف من وراء الهتاف المستمر بالدولة المدنية، هو نوايا مدنيي ممثلي الحركات المسلحة في قوى الحرية والتغيير السيطرة على منصة القرار في السودان، ومن ثم القيام بعملية التفكيك للأجهزة الأمنية الوطنية لصالح استيعاب جيوشهم المرابطة على الحدود لأجل صناعة السودان الجديد !!

* غير أن التمثيل العسكري داخل مجلس السيادة، يمكن أن يكون بمناسبة ضمانة ومرجعية للقوى المدنية، إذا ما اختلفت، ولا مناص من حتمية الخلاف بين المكونات المختلفة لقوى الحرية والتغيير التي تتشكل من مجموعات متباينة،  جمعت بينهم لحظة تاريخية للتخلص من النظام السابق، وسيكون الامتحان الأعظم لهذه القوى يوم أن تفقد عدوها المشترك، لينتقل الخلاف لا محالة الى داخل صفوفها ومكوناتها المتباينة و.. و…

* على أن المطالبة بمدنية السلطة الانتقالية من قبل اليسار السوداني، تبدو بمثابة دعوة حق أريد بها باطل، كونهم يعلمون علم اليقين، بأن السلطة الانتقالية المرتقبة يديرها المدنيون بالكامل في مجلس الوزراء وحكومات الأقاليم  والمجلس التشريعي، ولا تدار بحكام عسكريين ولا بأوامر عسكرية، إنما الوجود العسكري الرمزي السيادي هو بالكاد للحفاظ على سلامة الدولة الوطنية السودانية من أجندات التفكيك المحتملة.

… وليس هذا كل ما هناك …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى