وزراء أثاروا جدلاً.. وآخرون متحفّظون (2-3)

الحكومة الانتقالية.. (10) أيام بين (الأداء) و(الرجاء)

تقرير: عبد الله عبد الرحيم

أثار تعيينهم لغطاً كبيراً وتجاذباً في الأسافير والساحة السياسية، لجهة أن معظم الأسماء التي تم إعلانها لشغل مناصب بوزارة الحكومة الانتقالية المتفق بشأنها لم تكن سبقتهم سمعة عملية تسبغ على عملية اختيارهم غطاء الإجماع الرضا، لكن الوزراء الجدد لحكومة الدكتور عبد الله حمدوك كشفوا عن أنفسهم بأفعال وأقاويل ملأت مواقع التواصل الاجتماعي عقب أدائهم قسم الوظيفة أمام رئيس الوزراء والنائب العام. 

هذا الجدل الذي أثاره بعضهم ومحاولة وضع خرط عمل لمهمتهم التي تمتد ثلاث سنوات، دفعنا نحو هذه القراءة المتأنية لأداء كل الوزراء الذين وقع عليهم الاختيار لقيادة سفينة خلاص السودان من وحل التردي والفساد الذي غرقت فيه، وكادت أن تختفي ملامحها لولا مجهودات بنيه الذين قادوا الثورة المجيدة ليبقوا على أمل أن يكون السودان دولة حاضرة في كافة المحافل الدولية والإقليمية والمحلية، متجاوزة بذلك احتمالية خيبة الأمل التي كادت أن تكون وصمة مقروءة ومشهودة، حيث أن السودان كاد أن تصبح معالمه أطلالاً تحكي مأساة دولة اسمها السودان.. 

وخلال المساحة التالية نضع دفاتر أداء وزراء الحكومة الانتقالية على طاولة التشريح والتحليل المنطقي والاستراتيجي، ومدى نجاح كل منهم من خلال ما أثاره من لغط ونتيجة مقنعة كانت أم غيرها علها تعطي بصيصاً من الأمل والتفاؤل بتباشير الدولة القادمة من على البعد.

(7)

الإعلام.. جدل إقالة عيساوي تطارد (فيصل)

اختيار الإعلامي والكاتب الصحافي المعروف فيصل محمد صالح، وزيراً للإعلام. حقيقة لم يثر دهشة المراقبين لعملية تشكيل وتكوين الحكومة الانتقالية، فقد سبقه صيته حينما اختاره الشارع الثائر وقوى الحرية، لتولي هذه الوزارة التي لم ينافسه فيها أحد قبل أن تبدأ البلاد في مراحل التشكيل الوزاري. 

درس فيصل الإعلام في القاهرة، وحصل على ماجستير في الدراسات الصحافية من جامعة كارديف في المملكة المتحدة، ودبلوم عالٍ في الإعلام من جامعة الخرطوم. كما فاز بجائزة بيتر ماكلر الأمريكية للنزاهة والشجاعة 2013، وجائزة حقوق الإنسان من الاتحاد الأوروبي بالسودان. هذا غير عمله بعدد من الصحف السودانية، والعربية بجانب عمله مديراً لمؤسسة طيبة برس للإعلام..  فيصل كغيره من الوزراء الذين تم تعيينهم أو اختيارهم للوزارة حديثاً، ظهر أيضاً بتصريحاته التي أحدثت شيئاً من اللغط وسط المتابعين لجهة أنهم وصفوا بعض خطواته بأنها بداية لعهد تصفية الخصوم، حينما نقلت الوسائط توصية لرئيس الوزراء يطالبه فيها بإقالة عيساوي مدير التلفزيون، وقد حدثت الإقالة رغم نفي فيصل لكل الأحاديث التي راجت حول الأمر

البعض الآخر من المتابعين الذين تحدثوا لـ(الصيحة) يرون أن أحاديث فيصل كانت متزنة شيئاً ما حسب ما ظل يؤكده بأنه لن يقدم على تصفية الخصوم، وقال إن العمل الإعلامي يحتاج ثورة وإعادة هيكلة وسوف يعمل لإنجاز أهداف قوى الحرية والتغيير التي قذفت به للوظيفة، وقال إنهم لن يرفدوا (زول ولن يضيقوا) على أحد، ولكنه أكد أن بعض رموز النظام القديم من الإعلاميين لا زالوا يترأسون بعض إدارات المؤسسات الإعلامية، الشيء الذي تهيبه المتابعون من أن الرجل قد يلجأ لتعقب هؤلاء، ولكنه طمأن الجميع بأنه لن يحمل حقداً ضد أحد، في وقت أكد أن الجميع تجمعهم أهداف وطنية. 

بيد أن ما قاله فيصل عن غضب كبير انتاب الناس من ممارسات الإعلام الحكومي ووصفه بالمبرر ما يؤكد أن إقالة عيساوي تقف وزارة الاعلام بشكل طبير على ذلك الأمر.. ملامح وزارة الإعلام صارت واضحة، حينما أكد أنه لن يترك الإعلام يروج للحرب وأن برنامج وزارته مبني على كيفية إيجاد الحلول لأزمة الشعب السوداني. وقال إنه سيركز على القضايا الوطنية التي لا خلاف عليها ودعم الإعلام لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. 

وقد أشار لذلك بروفيسور الفاتح محجوب مدير مركز الراصد لـ(الصيحة) حينما قال إن وزارة الاعلام كغيرها من الوزارات التي تأتمر بأمر مجلس الوزراء، وإن الأداء في تلك الوزارة لن يقاس أو يحكم بمنأى من الأداء العام لمجلس الوزراء، لأن البرنامج والخطط لن يأتي بها فيصل وإنما رسمت بدقة من قبل السيد حمدوك الذي ربما أعطى ملامح واضحة لما يمكن أن يُحقّق خلال فترة الثلاث سنوات القادمة وهي عمر الحكومة والفترة الانتقالية المقبلة.

(8)

التوم .. هل يعيد التعليم لجادته؟

اختيار البروفيسور محمد الأمين التوم، لوزارة التربية والتعليم في الحكومة الانتقالية، جاء بناء على خلفيات الرجل العلمية وباعه الطويل في هذا المجال تحديداً، إذ أنه عالم رياضيات معروف، بجانب أنه خبير في قضايا التعليم.. عمل عميداً لمدرسة العلوم الرياضية في جامعة الخرطوم، ومديراً لكلية قاردن للعلوم والتقانة، وكان مساهماً في تأسيس المعهد الإفريقي للرياضيات، كما عمل محاضراً في عدد من الجامعات السودانية والعربية والأوروبية، وشارك في عدد من الندوات والمؤتمرات العالمية في الرياضيات.. 

التوم لم يكن من الذين أثاروا لغطاً وأشعلوا منصات التواصل الاجتماعي بأحاديثهم المثيرة، ولكنه كان مُواجهاً بتحديات إغلاق المدارس لأجل غير مسمى في كل السودان، وهي بناء على ذلك الإغلاق فقد تم إغلاقها مرتين وكل منها كان مؤثراً أشد الأثر..

أخيرًا، نجح محمد التوم في أن يعيد المدارس لطريقها العملي عقب إصدار إعلان رئاسي بفتحها وفق تدابير قال عنها د. أبوبكر آدم الأكاديمي والمحلل السياسي لـ(الصيحة) إن وزارة التربية وجدت رجلاً مناسباً ووزيراً محترماً بناء على سن الرجل الذي يعتبر من الخبرات التي يعتمد عليها حمدوك في تسيير دولاب حكومته.. 

والتوم أحد الكفاءات التي ربما أعاد التعليم لجادته عقب التعثرات الكثيرة التي اعترضت مسيره. 

(9)

الخدمات والفقر مطبات أمام مضوي في الحكم الاتحادي

تعيين الدكتور يوسف آدم مضوي، وزيراً للحكم الاتحادي. جاء على ما حمله تخصصه العلمي في الحكم المحلي وما ترتب عليه من تدرج بلغ بالرجل منزلة المأمون عليه في مساعدة د. حمدوك في إجتياز مطبات الحكم المحلي التي ورثها السودان كأكبر بلد أفريقي متشعب القبائل والقوميات، بيد أن رقعته الجغرافية تأتي به كثاني أكبر بلد أفريقي بعد نيجيريا من حيث المساحة، بيد أن لنفصال الجنوب أخذ هذه الخاصية منه، ولكنه رغم ذلك لا زالت تحدياته ماثلة لعوامل أخرى تتعلق بالحكم الاتحادي والمحلي، وهي بدورها تقف شامخة أمام نجاح مضوي في هذه الوزارة التي يقع على عاتقها الكثير من الأماني والآمال..

الحكم الاتحادي رغم معضلاته، إلا أن الأرضية الصلبة له التي تركها النظام السابق قد تعين الرجل كثيراً في أمر إدارة هذه الوزارة التي تملك طاقم موظفين تشربوا خلفيات الحكم الاتحادي وصاروا نجوماً، حيث أنه لم تتعثر الوزارة عقب إقالة كل الوزراء الاتحاديين وعقب قيام الثورة ولفترة طويلة ظل في ظل غياب الولاة وإحلال قيادات المناطق العسكرية محلهم إبان الحكم العسكري عقب الثورة، رغم هذا كله لم يتعثرالأداء بها بفضل وجهود من يقومون عليها من كوادر الخدمة المدنية. 

ما يقف حجر عثرة أمام الوزير مضوي القادم للوزارة من رحم الثورة، بحسب د. السر محمد علي الخبير الاستراتيجي في حديثه لـ(الصيحة) هو أن العمل بالولايات تعوقه الحاجة الملحة والفقر والعوز في ظل انحسار الخدمات والمعونات والابتعاد عن الزراعة بفعل الحرب التي لازالت بعض المناطق هناك تشهد توتر وتخوف من أن تشتعل مرة أخرى رغم حالة السلم التي تعيشها مناطق الإنتاج لفترة محدودة، بجانب هذا السياسة التي أكد  حمدوك اتباعها بتقصير الظل الإداري ما يجعل العبء على كاهل الحكم الاتحادي عظيماً، وقد يضعه في مواجهة مباشرة مع متطلبات الجماهير بالولايات. 

(10)

(مفرح) .. اعترافه باليهود يضعه في مواجهة الجمهور

وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ربما هي الوزارة الأبرز في التشكيلة الوزارية الجديدة لحكومة حمدوك، فقد سطع نجم  نصر الدين مفرح أحمد، وزيراً للأوقاف والشؤون الدينية، عقب تعيينه وأدائه القسم بتصريحاته المثيرة للجدل بدعوته ليهود السودان الموجوين الآن بإسرائيل ومختلف دول العالم بالعودة للبلاد وممارسة ديانتهم دون حجر وبكامل الحرية، ولم يسبقه سياسي سوداني من قبل إطلاقاً بتقديم مثل هذه الدعوة علناً على طريقة الوزير مفرح. 

ويضيف د. أبوبكر آدم بأن كل الذين تولوا زمام هذه الوزارة من قبل لم يجرأوا على المخاطرة بالخوض في هذا المنزلق الخطير، ولكن نصرالدين الذي ينتمي لطائفة الأنصار بزعامة الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، أراد أن يجعل الأمر أكثر من عادي لبلد عاش طوال الخمسين عاماً في مقاطعة تامة مع اليهود. 

وزاد أبوبكر أن قمة اللاءات الثلاثة، التي احتضنتها الخرطوم قد أطرت لسياسة ومنهاج عام اتبعته كل الدول العربية والإسلامية في تعاملها مع إسرائيل بعد أن فرضت عليها حصاراً كبيراً وضربت على إسرائيل مقاطعة هي الأقوى والأطول من نوعها بخلاف المآخذ التي حسبت عليها، إلا أن السودان ظل متمسكاً بها ويعمل بها محافظاً على العهد الذي خرجت به قمة الخرطوم في الستينات. 

ويذكر د. السر بأن تمسك الخرطوم بمقاطعة إسرائيل دفع أحد القادة العرب إلى حث الرئيس السوداني المخلوع المشير البشير بأنه يجب ألا يتأخر في التطبيع مع إسرائيل، وقال له أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، في إشارة إلى أن كل الذين وقعوا في ميثاق الخرطوم قد خانوا العهد وقاموا بالتطبيع مع إسرائيل إن لم يكن جهراً فسراً..

 تصريحات مفرح جلبت له الأعداء والمنتقدين من كل ألوان الطيف السياسي لجهة أن ما قاده من خط يعتبر من الأشياء المسكوت عنها تماماً، إذ لم يجرؤ أحد على المجاهرة بمثل هذا القول، ومن جاهر من السياسيين به صار في مواجهة مع الجمهور، وربما خصم من رصيدهم الجماهيري الكثير، لذلك كان كل السياسيين يحذرون من أمثال هذه الدعاوى. 

واعتبر بعض المحللين أن مفرح قد ابتعد كثيراً عن مهام وزارته حينما تحدث في موضوع لم يكن من مهام الوزارة التي تسلم مقاليدها حديثاً. ويرى البعض أن ما ذكره إنما يجب أن تقوم به وزارة الخارجية المعنية بالدبلوماسية الخارجية، كما أن هناك وزارات أخرى سيادية هي أفضل من يتحدث في مثل هذه الدعاوى التي تتعلق بأمر سيادي يمس سيادة السودان وليس له بالجانب الديني الذي ينظر فيه مفرح باعتباره وزيراً للشؤون الدينية، لأن دعوة اليهود إلى المجيء للسودان أمر تترتب عليه خطوات دبلوماسية وليست دينية. فيما اعتبر البعض هذا الحديث سقوطاً في حق الشاب القادم بفتوة الشباب لقيادة أمر الشؤون الدينية في البلاد.

(11)

الدفاع.. جمال وعقبة (إعادة الهيكلة) و(العقيدة العسكرية)

تعيين الفريق أول ركن جمال الدين عمر وزيراً للدفاع، عضو المجلس العسكري الانتقالي لم يكن كغيره من التعيينات الوزارية الباقية، إذ أن هذا التعيين ارتبط بمنفستو خاص وتقسيمة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في الاتفاق الموقع بين الطرفين ومنح العسكري امتياز تعيين وزيري الدفاع والداخلية، الاتفاق الذي لم يجد اعتراضاً كبيراً من قوى التغيير عقب اجتيازهم معضلات المجلس السيادي ومدنية الحكومة الانتقالية. 

جمال الدين عمر الذي تمت إضافته للمجلس العسكري  في 23 مايو الماضي بقرار أصدره الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري، عقب استقالة الفريق أول مصطفى محمد المصطفى. لمع نجمه من وقتها بأنه ربما جيء به خصيصاً لتولي مهمة وزارة الدفاع في الفترة الانتقالية تحديداً. إذ أن جمال الدين رجل استخبارات، إذ عمل رئيساً لهيئة الاستخبارات العسكرية، وهو من القيادات العسكرية التي لها خبرات وباع طويل في هذا الجانب ما يؤهله لقيادة أمر هذه الوزارة خلفاً لرجل الاستخبارات السابق والمقال الفريق أول عوض أبن عوف. 

وقد شغل منصب رئيس لجنة الأمن والدفاع في المجلس العسكري، حتى حله في 18 أغسطس الماضي، عقب تكوين مجلس السيادة الانتقالي في البلاد. كل هذه الخبرات تجعله الرجل المناسب لقيادة أمر هذه الوزارة السيادية لما يقع على عاتقها وفقاً لخبراء إستراتيجيين من مهام عظيمة خلال مرحلة السلام القادمة، حيث إعادة هيكلة الجيش بحيث تحتوي كل عناصر ومقاتلي الحركات المسلحة عقب الانضمام لمسيرة السلام في ظل رؤى الكثير من قيادات تلك الحركات بشأن أمر هذه الوزارة التي ينتظر أن تتم خلال محادثات جوبا القادمة وتضع إطاراً محورياً للجيش السوداني وعقيدته العسكرية ومعالم بنائه بصورة أكثر انفتاحاً ربما.

(12)

الطريفي واختبار سحب الجوازات والجنسية 

وزارة الداخلية ما يقع عليها يقع على وزارة الدفاع أيضاً، فهي من الوزارات ذات الطابع الخاص والسيادي ومهمة اختيار الوزير لها كان من صميم اهتمامات وامتيازات المكون العسكري بناء على مراسم اتفاق التحول الديمقراطي الشهير بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري.  وتم تعيين الفريق شرطة الطريفي إدريس دفع الله وزيراً لها. وهو قد عمل في إدارات الشرطة المختلفة، وعمل الطريفي، نائباً لمدير شرطة ولاية النيل الأبيض، ومديراً لشرطة ولاية شمال دارفور ونائباً للإدارة العامة للمباحث، ومدير الإدارة العامة للتخطيط. كما عمل نائباً لمدير عام قوات الشرطة و المفتش العام..هذه التجرية تجعل من الرجل قادراً على إدارة أمر هذه الوزارة غير أن ما أثير بشأن تغيير الجواز وما يتعلق بجنسيات غير السودانيين وضع الرجل أمام أول أمتحان وهو القادم من أداء القسم لتوه لتولي أمر الوزارة الحساسة. 

ما راج من أحاديث بشأن الجنسية دفع الوزير إلى المسارعة بنفيه معتبراً ذلك الحديث بالملفق وغير الصحيح. هذا النفي جعل الرجل يقبل على أداء مهامه بسلاسة عقب تجاوز تلك المحنة.. وهو الآن يقود حملات كبيرة على مخالفي الإقامة الأجانب ومحاربة مروجي المخدرات وتجارة البشر، وكل الظواهر السلبية بصورة تضع الوزارة ضمن الوزارات التي بدأت مهمتها الانتقالية بثبات تام. 

بيد أن الرجل لم يختبر حتى الآن بقضايا شائكة لجهة أن الجو الثوري الآن يساعد كثيراً الوزير للتكاتف الكبير الذي يبديه جمهور الشباب في تجاوز الصعوبات الملحة من أزمات مواصلات وغيرها من الضروريات التي يتم التعامل معها بكل تجرد وشعبية في ظل الانتشار الكثيف لرجال الشرطة والجيش والأمن. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى