واشنطن – الخرطوم.. استمرار العصا والجَزَرة!!

تقرير: مريم أبشر

رَحّبت واشنطن على لسان القائم بالأعمال في سَفارتها بالخرطوم استيفن كوتسيس، بالاتّفاق الذي تمّ بين “المجلس العسكري” و”قِوى إعلان الحُرية والتّغيير” واعتبرته واشنطن تَطوُّراً مُهمّاً، وَعَدّته تغييراً مَفصليّاً وجديداً من شأنه دَمَج السُّودان في المُجتمع الدولي، وذكر القائم بالأعمال بأنّ الفَسَاد وسُوء الإدارة في عهد الإنقاذ حَالَ دُون استفادة السُّودان من قرار الإدارة الأمريكية برفع العُقُوبات الاقتصادية عن السودان ورغم تبشيره بقُرب رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أنه أعاد للأذهان سياسة الإدارة الأمريكية القائمة على الاشتراطات واستخدام سِياسَة الجَزَرة والعصا، حَيث رَهِنَ الإجراء بإدماج الحركات المُسلّحة في الاتّفاق وإحلال السَّلام في دارفور والمنطقتين، في وقتٍ أكّدت فيه وزارة الخارجية عبر وكيلها بالإنابة السفير عمر دهب بأن مبعوث ترمب للسلام نقل للحكومة في ختام زيارته الأخيرة تخلي بلاده عن سياسة العصا والجَزَرة القديمة، واتّباعها سياسة الارتباط البنّاء لدفع علاقات المصالح المُشتركة وحل المُشكلات.

برؤية مُراقبين، إنّ رهن رفع اسم السودان من القائمة الراعية للإرهاب باشتراطاتٍ جديدةٍ من واشنطن، دَفع بعدة تساؤلات، أبرزها لماذا لا تسعى الإدارة الأمريكية للضَغط على الحَركات المُسلّحة التي أدمنت رفض كل شَئٍ على الانخراط الإيجابي في التّغيير الجَديد واللِّحاق بركب السَّلام بعد إقلاع نظام الإنقاذ، الذي كرّس للعنصرية وأخذ الحق بالسلاح والسعي لبناء سودان العدالة والحرية والسلام، أم أنّ واشنطن ما زالت غير راغبة في إزالة اسم السودان من القائمة، رغماً أنّ المرحلة الراهنة من عُمر السودان تتطلّب مُساندة دولية حتى يتخطى المَتاريس التي حرمته ثلاثين عاماً من التّمتُّع بخيراته وحقوقه المشروعة دولياً وإقليمياً.

ورقة ضغط

ومعلومٌ أنّ مفهوم الإرهاب وفق المنظومة الأمريكيّة برؤية مُختصين مُتشعِّبٌ وكبيرٌ ليس مقصوداً به الإرهاب باستخدام السلاح والعُنف، وأن وضع السودان في القائمة أملته عِدّة اعتبارات، منها مُساعدة كثيرٍ من الحركات والمُنظّمات، ويرى السفير والخبير الدبلوماسي نجيب الخير أن وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وفق المنظور الأمريكي قُصد منه استخدامه كورقة ضغط لتحقيق السِّياسات التي تحقق السلام والاستقرار، وبالتالي عدم دعم الحركات والإسلام السِّياسي، ويرى الخير في تَصريحه لـ (الصيحة) أنّ تحقيق الاستقرار عبر الديمقراطية الشاملة وتمكين المُواطن من مُمارسة حقوقه الأصيلة في وجود حالة احترابٍ، تَدخل في دائرة الإرهاب وفق المفهوم الأمريكي، باعتبار أنّ الأسباب ما زالت قائمة وموجودة، ويرى أنّ تَعليق القائم بالأعمال حَول إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب يتَطلّب إنهاء الحرب وتَحقيق اتّفاقات مع الحركات المُسلّحة وتحقيق السَّلام الشَّامل، باعتبار أنّ هذه العَنَاصِر ضَروريّة للاستقرار، وأنّه يزول حَالَمَا تَحَقّق السَّلام والديمقراطية والاستقرار.

تحرُّكات استباقية

مصدرٌ دبلوماسي حكومي قال لـ (الصيحة)، إنّ السعى نحو تحقيق السلام بدارفور والمنطقتين استبق التّوقيع على الاتّفاق وذلك عبر اتّصالات وزيارات قام بها نائب رئيس المجلس الفريق أول ركن محمد حمدان “حميدتي” إلى كل من أسمرا وإنجمينا، فَضلاً عن تحرُّكات أخرى إماراتية، وقبلها إصدار المجلس العسكري لقرارٍ بوقف إطلاق نارٍ شاملٍ، بجانب توجيه الدعوة لكل الحركات المُسلّحة للمشاركة، وأنّ هنالك تَقدُّماً كَبيراً أُحرز، وصدرت تصريحات إيجابية من مناوي وجبريل، ولفت الى أنّ الحركة الوحيدة التي ظلّت تتعنّت وترفض كل التسويات هي حركة عبد الواحد محمد نور، أضف إلى ذلك فإنّ شعار الثورة هو (حرية.. سلام وعدالة)، مِمّا يُؤكِّد حرص “قِوى الحُرية والتّغيير” على أنّ الظلم والحرب وعدم العدالة هي الشرارة التي أشعَلت الثورة، واستبعد المصدر الدبلوماسي اعتبار ما ذكره القائم بالأعمال اشتراطات واعتبرها أحد بنود محاور المَسارات الخمسة تتحاور حولها الخرطوم وواشنطن، وأفضت في وقتٍ سابقٍ رفع العقوبات، وطالب بأهمية التّعامُل مع المُتعنِّتين من الحركات، وقال: لا يُمكن أن يكون السلام رهينة لشخصٍ واحدٍ، في إشارة لعبد الواحد محمد نور، ولفت إلى أنّ الطرفين “المجلس العسكري” و”قِوى التغيير” اتّفقا على الأشهر أنّ الستة الأولى من الفترة الانتقالية ستُخصّص للسلام، وأن الكرة الآن فى ملعب الحركات للحاق بالثورة والسلام والعدالة والحرية التي مثلت شعاراً واجب التحقيق.

الشروط قديمة

تحقيق السَّلام في المنطقتين ودارفور ودمج الحركات لا تُشكِّل شروطاً جديدة من قِبل واشنطن لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقال الدكتور والمُحلِّل السِّياسي صلاح الدومة لـ(الصيحة) أمس، إنّ هذه الشروط موجودة منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما، ويرى الدومة أن الولايات المتحدة مارست ضُغُوطاً على “المجلس العسكري” كي يرضخ ويجلس مع “قِوى الحُرية والتّغيير” للتوصُّل الى اتفاقٍ، ودعمت بقوة المُبادرة الأفريقية الإثيوبية وهذه جُهُودٌ تُشكر عليها.

ومَعلومٌ أنّ الولايات المتحدة الأمريكية استجابت للنداءات التي أطلقها المُجتمع الدولي بشأن الوَضع في السُّودان، وسَمّت السفير جون بوث مبعوثاً للسلام والتوسُّط بين “المجلس العسكري” و”قِوى التّغيير” بشأن ضمان مرحلة انتقالية آمنة بالسودان وإجراء انتخابات حُرة ونزيهة، وخلال زياراته الأخيرة أجرى تحرُّكات بين الأطراف واستكملها بجولةٍ للدُّول المُجاورة والفاعلة في الشأن السوداني على رأسها أديس أبابا مقر الاتّحاد الأفريقي والوسيط الإثيوبي.
ووفق مُراقبين، فإنّ دُخُول الولايات المتحدة الأمريكية في شأن دولة سياسياً، يسهم إلى حدٍّ كبيرٍ في رفع سُقُوف النجاح، ربّما لاستخدامها سياسة الحوافز وتَشهر معها العصا، ويَعتقد مُتابعون أنّ دخول واشنطن عبر مبعوثها سَاعَدَ إلى حدٍّ كبيرٍ الوساطة الأفريقية في الضغط على الأطراف للتّوصُّل إلى الاتّفاق، ويعتقد آخرون أن أمريكا لم تتدخّل إلا للحفاظ على مَصَالحها في السودان والمنطقة.. وإن استقرار السودان يمثل أهمية قُصوى لها، خَاصّةً أنّ السودان قبل الثورة يحتفظ بملفات مُهمّة في الإقليم، منها ملف السَّلام في الجنوب وأفريقيا الوسطى، والأمن في الشرق الأفريقي، بجانب الدور الكبير الذي ظَلّت تلعبه الخرطوم في عمليات مُكافحة الإتجار بالبشر ومُكافحة المُخدّرات والتّهريب وغيرها من الملفات التي تتعلّق بالأمن القومي الأمريكي، بالتّالي ابتعاث مَبعوثٍ إلى الخرطوم دليلٌ على أهمية السودان المُستقر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى