“إعلان جوبا”.. بين تلبية مَطالب السلام والبحث عن السلطة

تقرير: نجدة بشارة 

زَمن الحرب ولّى، وانتهت سنوات (القحط) والمُعاناة  بلا رجعةٍ، بهذه المفاهيم أرسل عضو مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، رسائل طَمأنة للشعب السوداني، أثناء توقيعه على اتفاق المبادئ حول السلام مع الحركات المسلحة في جوبا، وليشي بها بأن أبواب السَّلام بَاتَت مشرعة، والوفاق بَاتَ واقعاً ليعاش.

ولعلّ الاتفاق التاريخي وَضَعَ حَدّاً للحُروبات الطويلة التي استمرّت لما يُقارب عقداً من الزَّمان، اُستنزفت فيها الموارد الإنسانية والمالية للدولة، ولم تَستطع خلالها كل الوساطات الماراثونية المحلية والدولية أن تُقارب وجهات النظر أو تطوي صفحات الماضي حتى كاد التوقيع على الوثيقة الدستورية مُؤخّراً أن يجهض أيّة بارقة أملٍ في التّوصُّل إلى حُلُولٍ بين الحكومة وهذه الحركات حينما رفضت الأخيرة الوثيقة الدستورية برُمتها واعتبرتها ناقصة ولا تحوي قضايا السلام الجوهرية، حتى استطاعت جوبا أن تَضع حَدَّاً لهذه (القطيعة)، وتكون وسيط سلام، ورغم الاختراق لهذا الملف، إلا أنّ شيطان التفاصيل سيظل باقياً.. طالما سيُناقش اعلان جوبا جملةً وتفصيلاً لاحقاً في منتصف أكتوبر المُقبل، ويظل التساؤل عن هَل سيُلبِّي الاتّفاق مطالب السلام ويرسخ له؟ أم سيكون مُجَرّد بَحثٍ عن المُحاصصة والسُّلطة أو عن موطئ قدم داخل الحكومة الانتقالية؟ هذا ما سنجيب عنه في هذا التقرير مع مُحلِّلين…

بناء الثقة 

لَعلّ المُشاورات التي جَرَت بين الحكومة والجبهة الثورية، والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو   بجوبا تُوِّجت بالوصول لاتّفاقٍ حول بناء الثقة والتمهيد للتفاوُض، وكان المستشار الأمني لرئيس جنوب السودان توت جلواك، أعلن عن التّوصُّل إلى اتّفاقٍ شاملٍ بين الخرطوم والحركات المُسلّحة في جوبا، وأضاف أنّ الاتّفاق يُشكِّل ورقةً مُشتركةً للتّفاوُض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، ونصّ الاتّفاق أن يبدأ التّفاوُض مُنتصف أكتوبر المُقبل ولمدة ثلاثين يوماً.. وكانت الوثيقة الدستورية قد نَصّت على تخصيص الأشهر الستة الأولى من الفترة الانتقالية لتحقيق السَّلام في السُّودان، ومن أبرز ما نَصّت عليه وثيقة المباديء، الوقف الشامل لإطلاق النار بين الحكومة السودانية والحركات المُسلّحة، ويُمهِّد إعلان المباديء الطريق لتهيئة الإجراءات اللازمة بفتح المَعابر ووصُول المُساعدات الإنسانية للمناطق المُتضرِّرة من الحرب، وفيما يتعلّق بأسرى الحرب، نصّت المباديء على إطلاق أسرى الحرب، وإلغاء أحكام الإعدام التي تُواجه قادة الحركات المُسلّحة، كما نصّ إعلان المباديء للتّوافُق على جوبا عاصمة جنوب السودان مقراً لمُفاوضات أكتوبر.. ومن المُقرّر أن تنطلق أولى جلسات التفاوُض المُباشر منتصف أكتوبر المقبل بين الطرفين. 

بين السلام والمُحاصصات 

في المُقابل، اتّفق المجلس السيادي والجبهة الثورية على إرجاء تشكيل المَجلس التّشريعي وتعيين الولاة لحين التّوصُّل إلى اتفاق سلام نهائي بين الجانبين، وفق مصادر، وأشارت ذات المصادر إلى أنّ الاتّفاق نَصّ أيضاً على إشراك الثورية في كُلِّ مُؤسّسات الفترة الانتقالية وتضمين اتّفاق “السَّلام” مع وثيقة الإعلان الدستوري، كما أوضحت أنّ رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال عبد العزيز الحلو، تَحَفّظ على العَديد من النقاط ووافق على ثلاث نقاط فقط.

ويرى القيادي بتحالُف 2020 لشؤون السلام والمُصالحات مبارك حامد دربين في حديثه لـ(الصيحة) بأنّ النقاط التي تَحَفّظَ عليها الحلو تمثلت في حقوق المُواطنة، ومُراجعة مُؤسّسات الدولة، إضَافَةً لفقدان الثقة التي أوجدتها الاتفاقيات السَّابقة، وقال: تَعَنُّت الحركات في بعض النقاط تُفَسّر بأنّها لأجل حل المشُكلات، وليس المُحاصصة تضمنياً.

رقابية وسُلطوية 

دربين أشار إلى أنّ تنفيذ الاتّفاق يحتاج لآليات ومُؤسّسات راعية للسلام، وبالتالي لا بُدّ من وجود مُمثلين من الكفاءات لهذه الحركات المُوقّعة للتواجد كمُراقبة للعملية السلمية بدوائر القرار عبر مهام سُلطوية في مجلس الوزراء والتشريعي، وأردف: ربما هذا ما يُفسِّر الطلب إلى إرجاء تشكيل المجلس التشريعي وتعيين الولاة لحين اكتمال الاتّفاق والتوقيع النهائي عليه، حتى أنّ الوثيقة الدستورية أعطت  الأولوية في الأشهر الستة الأولى من الفترة الانتقالية لإرساء السلام بين الفصائل السُّودانية في المَناطق التي تشهد نزاعاً، ويرى دربين بأنّ التجربة السِّياسيَّة فيما يخص الاتفاقيات بالسُّودان لها غير مُوفّق فيما يَختص بالتنفيذ، وقال: ربما ذلك ما دعا سمة التردد تظهر في مواقف الحركات المُسلحة الآن وتمسُّكها بوجود مُمثلين لرعاية وضمان تنفيذ الاتّفاق للفترة الانتقالية.   

تأكيد للحقوق 

المُحَلِّل السِّياسي ومراقب العملية السلمية بدارفور د. عبد الله آدم خاطر، أجاب في حديثه لـ(الصيحة) بأن إرجاء تعيين الولاء وتشكيل المجلس التشريعي ليست نوايا للبحث عن السُّلطة من قِبل الحَركات، بقدر ما هو تأكيدٌ للحقوق الطبيعية، وأردف: طالما أنّ هنالك اتفاق سلام، إذن لا بُد من دخول مجموعات على المُستوى القومي والولائي للرقابة ورعاية تطبيق السلام، وقال خاطر: ألاحظ أنّه ومنذ استقلال السودان لم يَتّحد الرأي العام ويلتف جَميعاً حول السَّلام ولأجل الديمقراطية مثلما يحدث الآن، وأردف: هنالك حُسن نَوايا وطنية غلبت على كُلّ الانتماءات الحزبية والطائفية والجهوية، وَبَاتَ هُنالك تَصالُح ورَغبةٌ حَقيقيّةٌ لترتيب الأوضاع الدَّستورية والقانونيّة بِمَا يتّفق والروح الجديدة التي يعيشها الشعب السوداني ويتنّسم معها شعار العَدالة والحُرية والسّلام. 

تفاؤل 

نظر فاروق آدم، عُضو لجنة التّفاوُض مع الحركات غير المُوقّعة سابقاً ومُراقب للعملية السلمية إلى إعلان جوبا بأنّه جَاء تأكيداً لرغبة الطرفين في تَجنُّب مَوَاطِن الخَلل في تجارب المُفاوضات السَّابقة، وقال لـ(الصيحة) إنّ الطريق أصبح الآن مُمهّداً والظروف مُهيأة أمام الفصائل المُسلّحة والحكومة لرصف طريق السلام وإرساء دعائمه، خَاصّةً وأنّ السلام مدعوم بإردة الشعب والشارع، وحتى الطرف الحكومي أصبح الآن من زُملاء النضال، وقال آدم: مُتفائلون بإعلان جوبا ونتوقّع أن يؤدي إلى اكتمال الاتفاق وتقصير المسافات وردم فجوة الثقة بين الجانبين. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى