السفير نجيب الخيرعبد الوهاب لـ “الصيحة”:

لا بد من تطهير العمل الدبلوماسي من الأجندة الظلامية

الإسلاميون أخرجوا السودان من  دائرة العلاقات الدولية

معالجة الدين الخارجي أصعب مهام الحكومة الانتقالية 

انتصار الثورة بعث الأمل ووضع نهاية لمشهد السودان (البائس) 

شعب السودان قادر على تقرير مصيره حول علاقاته الخارجية

مساعي النظام البائد  في تحقيق السلام كانت منقوصة ومعيبة

كثير من تحركات  الجيران والشركاء ستضع الأمور في نصابها

حاورته: شادية سيد أحمد

تصوير.. محمد نور محكر

معلوم أن العلاقات الدولية تُبنى على سياسة المصالح المشتركة  والمنافع المتبادلة وطيلة فترة الحكم السابقة لم يتمتع السودان بعلاقات خارجية سوية مع كافة الدول، وكانت هناك بعض التوترات مع بعض الدول في المحيط الإقليمي والدولي وكانت هناك عقوبات مفروضة على السودان مما أدى إلى عدم الاستفادة من كثير من المعاهدات  والاتفاقات الدولية، وظلت قضية العلاقات الخارجية شائكة رغم اجتهاد الدبلوماسية السودانية لتحسينها مع كثير من الدول، إلا أن كثيراً من المعطيات لم تساعد على ذلك، فضلاً عن كثير من المشكلات التي كانت تواجه الدبلوماسية السودانية، ونجد بعد إنجاز الثورة ونجاحها وتشكيل الحكومة الانتقالية بدأت كثير من الزيارات الدولية والإقليمية ذات المستوى العالي تتوافد على السودان كان آخرها زيارة وزير الخارجية الفرنسي وقبلها  الرئيس الأرتري أسياسي أفورقي وسبقه وزير الخارجية الألماني وغير ذلك من الزيارات..

 “الصيحة”.. جلست إلى السفير نجيب الخير عبد الوهاب… السفير السابق لدى الاتحاد الأوربي مستفسرة حول العديد من القضايا التي تتصل بالعلاقات الخارجية.

*بداية.. كيف تنظر لمستقبل العلاقات الخارجية في السودان؟ 

– الثورة  العظيمة التي اندلعت في السودان، وجدت السودان دولة في حسبان العلاقات الدولية تشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين، وتعالج قضاياها في الأسرة الدولية تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة الذي يجوّز التدخل الدولي المباشر في إطار التوحد الدولي من أجل درء المخاطر التي تهدد الجماعة الدولية، كما وجدت السودان دولة مفروض عليها رقابة دولية  في تعاملها مع حقوق شعبها الإنسانية، ودولة محرومة من برامج التعاون الدولي التي يشرف عليها البنك وصندوق النقد الدوليين. ودولة على كاهلها ستة وخمسين مليار دولار من الدين الخارجي لا تستطيع الاستفادة من المبادرات الدولية والإقليمية لمعالجة هذا الدين، ودولة ليست جزءاً من الاقتصاد العالمي ولا تستطيع ممارسة التجارة وتبادل السلع والخدمات وفق اتفاقيات التجارة الدولية وضوابط السوق الحر، ودولة تعتبرها أكبر اقتصاديات العالم  الأكثرتأثيراً في العلاقات الدولية تعتبرها داعمة للإرهاب الدولي، وطرفاً أساسياً فيه، ولذلك تدار العلاقات معها على أساس لائحة الطوارئ وتحرم بذلك من كل المنافع التي تمنح لرصفائها من دول الإقليم والمنطقة . وفوق كل هذا وذاك دولة تقتات على صراع المحاور والرقص على رؤوس الثعابين.

ولكن انتصار الثورة العظيمة يبعث الأمل بوضع نهاية لهذا المشهد البائس والمعيب، ويفتح للبلاد آفاق الانطلاق في مسار جديد وعلاقات جديدة تنتفع من سوء الماضي وتتطلع للمستقبل  الواعد والمبشر بالعلاقات المثمرة.

*هل الثورة وتغيير نظام الحكم في السودان فتحت الباب للاستفادة من التعاون الدولي والاتفاقات الدولية؟

– نعم، الثورة فتحت الباب لفرص ولآفاق تغيير كبير في علاقات السودان الخارجية لأن كل الضغوط والعقوبات التي فرضت على السودان خلال حكم الإنقاذ فرضت على التنطيم السياسي الذي كان يحكم البلاد عبر القهر والاستبداد ويوظف الحكم لمصلحة عناصر تعتبرها العلاقات الدولية تنظيمات إرهابية معادية للإنسانية والقيم والديمقراطية، وتستخدم في إدارة علاقاتها الخارجية عناصر متطرفة ومجرمة لا تملك أدنى درجات الأهلية للقيام بالمهام الدبلوماسية  المتعارف عليها وتنحصر قدراتها في التواصل مع حركات الإرهاب الدولي والإقليمي.

ولعل محاولة اغتيال الرييس المصري أصدق مثال لأجندة تلك الجماعة الحاكمة ونوعية العناصر التي أضفت عليهم صفة الدبلوماسية وحصاناتها، ولعله ليس خافياً على أحد أن غالبية تلك العناصر هي عناصر الحركة الإسلامية المؤدلجة التي كانت تصف الدبلوماسية التي تمارسها بالدبلوماسية الرسالية، علماً بأن غالبية تلك العناصر هم كوادر الحركة ومحاسيبها وأقارب قادتها الرساليين،  وكثير منهم في الظروف العادية لا يصلحون أن يكونوا موظفي استقبال في بعثات السودان الخارجية .

*قضية الدين الخارجي أثقلت كاهل السودان مما أثر بصورة بالغة على الاقتصاد.. كيف الخروج من المأزق؟؟

– نعم، معالجة أمر الدين الخارجي الذي  يبلغ الآن قرابة الستين مليار دولار، هي أحد المهام الأساسية للحكومة الانتقالية. وقطعا إذا أخذ في الحسبان تجارب دول كنيجيريا التي تنتج قرابة الثلاثة ملايين برميل نفط يومياً ونجاحها في تأمين إسقاط الدين الخارجي عن كاهلها عبر الاستفادة من المبادرات الدولية المرتبطة بمعالجة أمر ديون الدول الفقيرة المثقلة بالدين الخارجي (الهيبكس)، فإن نجاح السودان في تأمين أمر إسقاط دينه ليس أمراً صعباً إن استطاعت كوادرنا الاقتصادية والدبلوماسية المستنيرة إقناع الدول والصناديق والأندية الدائنة بأن موارد الدين الذي سيتم العفو عنه سيوظف فيما يحقق الاستقرار والتنمية وأبانت الانعاسات الإيجابية على الأمن والسلم الدوليين، إضافة إلى ذلك فإن الأسرة الدولية ليست بعيدة عن الإدراك بأن السودان كان في حالة غياب تام  عن الأسرة الدولية وعن برامجها وأجندتها طيلة العقود الثلاثة الماضية، وأن إعلاناً داوي عالي الصيت قدر صدر الآن بعودة السودان إلى محيطه الدولي والإقليمي وحق له أن ينتفع الآن بما انتفع به غيره .

*هناك من يرى بأن الطريق لقلب الغرب والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً لا بد أن  يمر بمحطة التطبيع مع إسرائيل ماذا تقول في ذلك؟ 

– السودان هو أحد الدول المؤسسة لكافة المنابر الدولية والإقليمية والمنظمات التي تأسست لخدمة القضاء على الاستعمار وتأمين حق الشعوب الأصيل في تقرير مصيرها  والاستمتاع بالحرية والسيادة والقرار الوطني . ولا يخفى على أحد أن القضية الفلسطينية قد ظلت منذ لحظة التأسيس قضية شعوب وليست قضية أنظمة حاكمة، كما ظلت قلب تلك المنابر الدولية والإقليمية وأوكسجين حياة تلك المنطمات التي تعالج فيها القضية .

 الآن السودان اجتاحته ثورة شعب جعلته هو وحده الذي يقرر بشأن علاقاته الخارجية ومصالحه الوطنية دون إملاء أو وصاية من أحد أو جماعة أو دولة، ويقيني إن طُرح الأامر بشفافية وموضوعية فإن الشعب قادر وأهل للقرار بشأن ذلك  الأمر الجوهري.

*ماذا عن التعاقدات الإقليمية التي دخل فيها النظام السابق بشأن المشاركة في الحروب الإقليمية؟

– في تقديري أن ما ذكرته بشأن سيادة شعب السودان على قراراته بشأن تحديد التحالفات وإدارتها وما يرتبط بها من التزامات تعاقدية وكذلك موقفه من صراعات الأقطاب الإقليميين والدوليين هو أمر من صميم صلاحيات شعب السودان وحده، وهو الذي يفتي وهو الذي يقرر وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة وفق قاعدة الحقوق الأصيلة والشفافية ونبذ الوصاية والإملاء الخارجي .

*ما رأيك  حول إسهام الدبلوماسية في تحقيق السلام الشامل في السودان؟ 

– السلام لكي يكون شاملًا ومستدامًا لابد أن يكون قومي الهدف والتوجه ومنتفعاً بتجارب الآخرين من الملل والنحل والشعوب والدول، والسلك االدبلوماسي هو أكثر أجهزة الدولة أساسًا قومياً والأكثر اطلاعاً على تجارب الشعوب الأخرى في تحقيق السلام المستدام . ولا ينكر أحد أن كل مساعي النظام البائد لحل المنازعات كانت حلولًا منقوصة ومعيبة وذات توجه ذاتي لتحقيق المصالح الحزبية الضيقة،  بما فيها كسب تأييد من تفاوضهم وتوقيع الاتفاقيات معهم وصولاً لتلك المنافع الآنية مما يجعل الاتفاقيات وصفات مسكنات تنتهي صلاحيتها بانتهاء الانتفاع بالمحفزات . 

أما السلام الحقيقي المأمول بلوغه فهو سلام يعالج جذور المشكلات وليس قشورها ويشرك  كل أصحاب الشأن في وضع الحلول المستدامة .

*قراءتك للزيارات الأجنبية وآخرها  زيارة الرىيس الإرتري أسياس أفورقي؟

– النظام السابق من خلال سياساته وأجندته المتقلبة وذات التوجهات المتقاطعة قد  عرض الأمن القومي للجيران والشركاء الإقليميين والدوليين للكثير من التهديد والمخاطر . ولما يتمتع به السودان من وضع جيوبولتيكي ومصدر تبادل منافع مشتركة،  الآن هناك الكثير من التحركات المبررة والمستحقة من الجيران والشركاء للتفاهم ووضع الأمور في نصابها وطي صفحة علاقات الماضي المعيبة.

*زيارة رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك إلى نيويورك، المكاسب المتوقعة؟

– مشاركة رئيس الوزراء في دورة الجمعية العامة المقبلة تعلق عليها آمال كبيرة ترتبط بالملفات الدولية والإقليمية والثنائية وهي زيارة يمكن تصنيفها بمهمة كاسحة الألغام المزروعة لثلاثة عقود يسعي السودان من خلالها للخروج من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة ومعالجة أمر الرقابة الأممية على حقوق الإنسان، وإعادة أطر التعاون مع مؤسسات التعاون والعون والتمويل الدولي  واستعادة مكانة السودان الدولية والإقليمية وفتح ملف التطبيع مع الاتحاد الأوروبي والوقوف على أمر علاقة السودان بإنفاذ العدالة الجنائية الدولية ومعالجة ملفات العقوبات مع أمريكا وعلى رأسها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وفتح ملفات تعاون وتبادل منافع ثنائية كثيرة.

*كيف ترى المناهج الدبلوماسية الأوفق لإدارة علاقات البلاد الخارجية؟ 

– في تقديري أن الإسلاميين أخرجوا السودان من دائرة العلاقات الدولية المعلوم أسسها ومرتكزاتها ومناهجها، وانتهجوا سياسات خارجية قائمة على منظورهم الفكري المعتمد على مبادئ التكفير والهجرة  من المواثيق والإعلانات والنواميس المتعارف عليها وعلى كل الشائع المألوف. الآن لكي تعود الأمور إلى الوضع الطبيعي، فلابد من العودة مرة أخرى إلى منصة التكوين وتطهير العمل الدبلوماسي من الأجندة الظلامية والانقسامية، وعودة الذين أبعدتهم الأجندة المشاترة إلى مواقعهم لكي يعود السودان إلى حيث ينبغي أن يكون .

*هل من معوقات يمكن أن تقف أمام  العمل الدبلوماسي وتحسين العلاقات الخارجية؟

– معلوم أن مصادر السياسة الخارجية لكل الدول بلا استثناء تتمثل في (الجيو سياسي) والموارد  والمقدرات الاقتصادية إلى جانب القوة الدفاعية للدولة (الجيش والأمن وحرس الحدود)، فضلاً عن شكل الحكم  وعضوية الدولة في المنابر الإقليمية والدولية، والسودان يكتسب أهميته من خلال هذه الاعتبارات التي تعتبر  في كثير من الأحيان نعمة إلا أنها يمكن أن تتحول إلى نقمة أحياناً وذلك يحتاج إلى قرارات وسياسات واعية مستنيرة  وتوازنات ترتبط بالمصلحة الوطنية، وكما ذكرت لك آنفاً أن الثورة قد ورثت أوضاعاً خارجية لا تحسد عليها البلاد،  إذ أن العمل لتحقيق الأهداف المنشودة ليس مفروشاً بالزهور ويحتاج إلى عمل كبير بتوافق كامل بين العناصر التي تضع السياسات والبرامج  وتتولى أمر التشريع.

*إلى جانب ذلك، هل يمكن أن تكون هناك صعوبات مادية  تواجه العمل الدبلوماسي؟

– لا شك أن الاقتصاد يأخذ الأهمية القصوى  بين كل تلك الاعتبارات آنفة الذكر والعمل على هذا الملف يتطلب من الدبلوماسية جهدا يربط بين التنمية  والإنماء الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المنشود.

*تفعيل الاتفاقيات الأربع مع دولة الجنوب؟

-على مستوى الاتفاقيات الثنائية  سيظل العمل مع الجيران لا سيما جنوب السودان  فيما يتعلق بتأمين الاتفاق الكامل على القضايا المعلقة، ومع مصر وأثيوبيا في إطار مياه النيل،  والسعودية فيما يتصل بأمن البحر الأحمر ومع بقية الجيران الذي توجده اعتبارات التماس بين مكونات الدبلوماسية السودانية ودول الجوار.

*تكالب الدول الخارجية على السودان. وعلى مستوى رفيع.. كيف تنظر لذلك. هل هي بمثابة فتح نوافذ جديدة مع السودان في الاتجاه الأيجابي؟

– السودان رغم المصاعب التي يعانيها، ورغم الهدم الكبير الذي أحدثه النظام البائد في الحفاظ على وحدته ومكانته الإقليمية والدولية، وفعاليته في العلاقات الإقليمية والدولية وخارطة الإسهام في الاقتصاد العالمي لكن هناك إجماع لا يشوبه الشك بأن السودان دولة محورية  تمتلك كل مقومات التأثير في العلاقات الإقليمية والدولية من خلال امتلاكها لرصيد كبير في العناصر الخمسة المذكورة، وهي الموقع الجيوسياسي والموارد الاقتصادية المتاحة والكامنة والمورد البشري القادر على الإسهام الدفاع والأمن على المستويين الوطني والإقليمي والتوافق على الديمقراطية أساساً للحكم والسير في مسار التحول الديمقراطي وعضويته في المنابر الإقليمية والدولية في المنابر والتجمعات ذات التأثير الكبير في العلاقات الدولية . في تقديري أن العجلة لبلوغ الغايات السامية قد بدأت في التحرك  واليقين أن مسيرة المليون ميل تبدأ بخطوة واحدة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى