الخبير في مجال النفط ورجل الأعمال نزار إبراهيم عمر لـ(الصيحة):

الشعب السوداني ورث تركة ثقيلة جداً من الاقتصاد المنهار

أدعو لإنشاء مجلس للتخطيط الإستراتيجي لرسم خارطة الطريق للاقتصاد

يجب التحقيق في 91 مليار دولار من عائدات النفط أين ذهبت؟

على اللجنة القانونية إبعاد مبدأ التحلّل في المحاسبة

 المؤسسات التي خُصخِصت تم نهبها لمصلحة حزب وأشخاص بعينهم

يُعلّق الشعب السوداني آماله وتطلعاته على المرحلة الانتقالية الجديدة وما تحمله من تحقيق لشعار الثورة السودانية “حرية – سلام ــ وعدالة”، فقد عانى الأمرين من ظلم وفقر وانعدام للخدمات في ظل حكومة الإنقاذ السابقة والتي قامت على الفساد والقهر وعدم تطبيق القانون الذي نتج عنه ارتفاع كبير في الأسعار للسلع الاستهلاكية وانهيار للعملة والوطنية والنظام المصرفي وتدمير للمشاريع الإنتاجية، كثير من القضايا ينتظر الشعب السوداني فيها الحسم من قبل الحكومة الجديدة التي يتوجب عليها بناء سودان اقتصادي اجتماعي سياسي جديد.

 جميع هذه الملفات وضعتها (الصيحة) على طاولة الخبير في قطاع النفط ورجل الأعمال  نزار عمر إبراهيم  في لقاء  قصير وعاجل لنطلع على السبل الكفيلة بوضع الحلول المناسبة للمشكلات الاقتصادية وخاصة المتعلقة بقطاع النفط الذي يدير من خلاله  أعماله الاستثمارية  في الخارج، فإلى إفاداته في  الحوار التالي:

أجراه: القسم الاقتصادي/ تصوير محمد نور محكر

*بداية تقييمكم للوضع الاقتصادي الراهن عقب ذهاب نظام الإنقاذ؟

حقيقة تعد الفترة القادمة فترة حرجة جداً في تاريخ السودان، فالشعب السوداني ورث تركة ثقيلة جداً من الاقتصاد  المنهار تمت السيطرة فيه بواسطة شركات تتبع للمؤتمر الوطني، والتي مارست عنوة واقتداراً اختطاف الاقتصاد وجيرته إما لأفراد أو شركات تابعة للتنظيم، حيث أصبح الأثر حاليًا واضحاً من انهيار في مختلف القطاعات من زراعة وصناعة وتجارة وغيرها، حيث كان الإنتاج جله يذهب لصالح هذه الشركات، إضافة إلى الممارسات المتعمدة في تهديم البنيات التحتية الاقتصادية، لاسيما قرار خصخصة المؤسسات الناجحة والتي تم نهبها لصالح اشخاص أو تنظيم، لذلك أشفق كثيرًا على حكومة الكفاءات القادمة، فثلاث سنوات لا تستطيع أن تصلح ما أفسده النظام السابق،  ولو بنسبة واحد على ألف من مطلوبات الاقتصاد القادم، بيد أنها خطوة لبداية صحيحة لمراجعة الاقتصاد بصورة جيدة.

*دائماً ما يثار الحديث بشأن عائدات النفط وأين ذهبت؟

نعم، هنالك دراسات تؤكد أن 91 مليار دولار من عائد إيرادات النفط السوداني لا يعرف أين ذهبت منذ العام 1999 إلى 2009م، وهذا ما أثبتته الدراسات مع خبراء في المجال، لذلك يجب تكوين آلية تضم في عضويتها أمناء أبناء السودان والاستعانة بأحد بيوت الخبرة العالمية التي تدري كيف تكون حسابات النفط والبيع للبحث عن معلومات بيع نفط السودان خاصة وأن معظم الشركات التي كانت تعمل في البلاد في مجال النفط وقتها أجنبية ومعروفة، وتعلم كثيراً عن إنتاج وتصدير النفط السوداني ويجب إلزامهم بتوفير هذه المعلومات ومحاسبتهم  قانونياً في حال التورط في ضياع النفط السوداني.

 وفيما يتعلق بالذهب، فالحكومة السابقة كانت تتحدث عن إنتاج 230 طناً منه بعائد 8 مليارات دولار أين ذهبت هذه الأموال؟ ومن الذي قام بتصديره، جميع هذه الموارد ملك للأجيال القادمة يجب التحقيق فيها ومحاسبة المفسدين، فالتقديرات تشير إلى أن حجم موارد البلاد التي تم تصديرها للخارج حوالي 250 مليار دولار.

*برأيك هل يقتصر التحقيق على رموز النظام السابق فقط؟

لا، فالجميع يعلم حجم الفساد الذي تم على مستوى البلاد فليس قاصراً على حزب المؤتمر الوطني فقط الذين أوغلوا في الفساد، وهنالك أمر مهم للغاية بأن تقوم اللجنة بالمحاسبة وتطبيق القانون واستبعاد مبدأ التحلل في المحاسبة.

*كيف يتأتى للحكومة القادمة إدارة الاقتصاد وانتشاله من هوة الانهيار؟

آلية إنقاذ الاقتصاد الوطني تعتمد على أربعة أشياء متمثلة في مركز قومي للتخطيط الإستراتيجي الذي يتبع لرئيس الوزراء،  يخطط لبرنامج التغيير الاقتصادي للعشرينية الأولى والثانية، ويشمل جميع القطاعات، وحصر جميع موارد البلاد المتاحة، ودراسة التجارب الخارجية، وتطبيق ما هو أقرب لطبيعة البلاد عبر برامج إستراتيجية تنفذها الكفاءات التي ليس المطلوب منهم وضع الخطط، وأيضا يجب إنشاء مركز التحول الإلكتروني تمهيداً لحكومة إلكترونية، وهنالك خطوة مهمة يجب اتباعها وهي تكوين مفوضية الفساد لمراجعة القوانين والتشريعات التي ترتبط بالاقتصاد والممارسات الفاسدة على مختلف المستويات وتتبع لمجلس الوزراء أيضاً، فهذه الدعائم الأربع هي أساس لحكومة انتقالية.

بالتأكيد لا يمكن الحديث عن اقتصاد بدون وجود سلام، فالوصول الى اتفاقيات مع الحركات المسلحة أمر ضروري كي نحقق حلولاً اقتصادية تضمن معالجة التنمية للمناطق المهمشة في دارفور وكردفان.

*كثير من المال العام تم إهداره على مشاريع كان إنتاجها دون الطموح؟

نعم. على سبيل المثال وليس الحصر مشروع سد مروي لتوليد الكهرباء عند إنشائه في عهد أسامة عبد الله كان الميقاواط الواحد عالمياً يكلف مليون دولار، فصمم سد مروي لأنتاج ألف ومائتي ميقاواط أي بتكلفة إنتاج قدرت بمليار و200 مليون دولار،  ولكن ما حدث أن أسامة عبد الله قام بتكوين  ما يسمى بوحدة السدود بقرار من رئيس الجمهورية المخلوع عمر البشير، وعمد إلى عزلها عن وزارة المالية والنائب العام، بحيث لا أحد يستطيع إخضاع الوحدة للمراجع العام، ولم يكتف بذلك، بل قام بأخذ مليار دولار من خزينة الدولة واستدان عليها بـ 3.8 مليون دولار من الصناديق العربية، مما يعني أن 3.6 مليون دولار تم إهدارها، وحالياً سد مروي ينتج 800 ميقاواط فقط، وهنالك مشاريع كثيرة مشابهة لسد مروي تم فيها إهدار للمال العام، يجب التحقيق فيها ومحاسبة المتورطين وعلى مفوضية الفساد ووضع القوانين الرادعة لكل من تسول له نفسه التعدي على المال العام.

*ماذا عن  الممارسات التي تمت في  قطاع النفط؟

 كان يجب أن توجه جميع عائدات قطاع النفط  لقطاع الزراعة، فبرنامج النفط لم يؤسس على أسس صحيحة، وإنشاء صندوق سيادي للصرف مستقبلاً من أولويات ومهام المركز القومي للتخطيط الإستراتيجي، فالسودان ما زال يتمتع إلى الآن بثروة كبيرة من النفط في منطقة حوض السلامات الذي يبدأ من الكاميرون حتى منطقة دارفور، فالمطلوب زيادة الإنتاج للآبار الموجودة وعقد اتفاقيات جديدة مع شركات نفط أمريكية بغرض التغيير من الشركات الصينية التي عملت في البلاد كثيراً عبر شراكات إستراتيجية حقيقية لاستخراج النفط في دارفور والغاز الطبيعي في ولاية البحر الاحمر كأكبر احتياطي موجود في العالم، فالسعودية لوحدها رصدت 300 مليار دولار وبدأت مشروع الغاز الطبيعي في البحر الأحمر، وأيضا مصر التي وصلت لمياه السودان الإقليمية، فمن الواجبات على وزير النفط الجديد أن يصل إلى شراكات مع الدول لاستخراجه، فالطمع ليس فقط سياسياً وإنما في موارد البلاد الطبيعية، فالمفاوض الوطني عليه أن يعي الثروات الضخمة التي يتمتع بها السودان ويستطيع توظيفها وأن يمتلك الأمانة والنزاهة، بيد أن تحقيق ذلك يحتاج إلى رأس مال عالٍ جداً لن يتوفر إلا عقب تكوين الحكومة الجديدة، ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وتدفق الأموال الأجنبية على البلاد. وأيضاً يحتاج إلى شفافية كاملة في القطاع الذي انعدمت فيه الشفافية، فهنالك شركات ليست مسجلة ما زالت تستلم حصتها من المواد البترولية وتقوم ببيعها بالسوق الأسود.

الجانب الآخر في القطاع أنه من المهم جداً وعبر خطة إعلامية دقيقة أن يعلم الشعب السوداني بعدم إمكانية الاستمرار بالأسعار الموجودة للوقود المدعوم بنسبة 80% لذلك يجب أن يرفع تدريجياً، ويوظف الدعم للقطاعات الفقيرة عبر برامج اجتماعية مدروسة، وهذه أحد الأساسيات، فليس من المعقول إنفاق 2 مليار دولار سنوياً دعماً للمواد البترولية. في حال  تمت هذه الخطوات يصبح قطاع البترول هو القاطرة التي تقود الاقتصاد وليس إهداره.

*ماذا عن جذب الاستثمارات لبقية القطاعات؟

مثلاً هنالك دراسة لمستثمر لإنشاء شركة مساهمة عامة في منطقة كردفان للاستفادة من الألبان واللحوم، حيث يمكن تحقيق عائد 120 مليار دولار سنوياً، فهولندا جزيرة صغيرة تصدر الباناً بأكثر من 64 مليار دولار.

*السودان عانى كثيراً من العقوبات الاقتصادية الأمريكية كيف تنظر لمستقبل السودان الاقتصادي الخارجي عقب ذهاب نظام الإنقاذ؟

من المعلوم تماماً أن السودان تعرض لحصار اقتصادي خارجي نتيجة للسياسات الرعناء للحكومة السابقة، لكن وبحسب تصريحات مبعوث الخارجية الأمريكية بقرب موعد رفع السودان من قائمة الأرهاب، مما يتيح للسودان الانفتاح على المجتمع الدولي، لذلك يجب على المفاوض السوداني أن يستعجل التفاوض مع مبادرة الأوبك لإعفاء ديون السودان الخارجية أو جدولتها أو تخفيضها، وأخذ قروض إضافية تستخدم هذه المرة في مجال التنمية والبنى التحتية والتعليم والصحة، وأيضاً يجب إعادة هيكلة البنوك السودانية التي أصبح راس مالها ضعيفاً نتيجة للممارسات غير الرشيدة، وباتت السيولة ضعيفة، أو دمج البنوك  وإتاحة الفرصة لمستثمرين آخرين في المجال البنكي بطريقة علمية صحيحة تساعد في عودة البنوك لمعاملاتها مع البنوك الخارجية. فالسودان حكم بمركزية حزبية يخطط وينفذ كما يريد، ولا توجد خطة محددة نفذت بنجاح حالياً.

*طيلة حكم الإنقاذ لم يستفد السودان من القروض والمنح التي وجهت إليه في تقديرك ما هي الأسباب؟

توجد مشكلة حقيقية في هذا الشأن، فالسودان أخذ قروضاً من الصين فقط فوق الـ 17 مليار دولار، لذلك هي أحد  الأشياء التي يجب مراجعتها من قبل مفوضية مكافحة الفساد أين ذهبت هذه القروض، وما هي المشاريع التي نفذت؟ فمثلاً مشروع كهرباء الفولة تم الحصول على قرض لإنشائه بواقع 450 مليون دولار،  بيد أنه لم يتم تنفيذه، المعدات التي استجلبت له حالياً تم بيعها خردة، لكم أن تتخيلوا ذلك. وليس بعيدًا عن الأذهان أيضاً مشروع المطار الجديد، فهو مثال حي لذلك الإهدار، فأكثر من ثلاث مرات أخذت  الحكومة قروضاً لقيام المطار تصل إلى أكثر من مليار و800 مليون دولار، بيد أنه لم ير النور حتى الآن، وهو حالياً عبارة عن سياج ومكاتب إدارية، فأين ذهبت جميع هذه الأموال؟

*رسالة توجهها إلى الحكومة الانتقالية الجديدة؟

نُبارك للشعب السوداني الاتفاق بين العسكري وقوى الحرية والتغيير، يجب أن يكون شراكة حقيقية علي برامج وليس علي مناصب يعض عليها بالنواجذ.

*في تقديرك ما هي الخطوات التي يجب أن تتبعها الحكومة الانتقالية؟

لتحقيق نهضة حقيقية في الاقتصاد السوداني، نحتاج في الفترة القادمة لقيام 4 ركائز أساسية تتبع مباشرة للسيد رئيس مجلس الوزراء، أولاً: قيام مركز قومي للتخطيط الاستراتيجي، يخطط للعشرينية القادمة، تبدأ بالتزامن مع المرحلة الانتقالية، ويتبع مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء،  مهمته تتمثل في حصر موارد البلاد المتاحة ووضع خطة إستراتيجية لتغيير الاقتصاد السوداني والاجتماعي لمدة عشر سنوات، حيث لا يستطيع وزير كفاءات يعمل منفرداً ويطلب منه تحقيق نتائج إيجابية في ثلاث سنوات إن لم يوجد هذا المركز، ويجب أيضاً الاستعانة بخبرات داخلية وخارجية، فهنالك بيوت خبرة عالمية متاحة في جميع المجالات يمكن الاستعانة بها لوضع الخطط لجميع الوزارات، وخطة الدولة الكلية.

 ومن مهام المركز كذلك العمل على قياس موارد البلاد الحالية. ثانيا: قيام المركز القومي للإحصاء لتحديد مؤشرات الإنتاج والمؤشرات الاقتصادية، والإحصاء السكاني وغيره.

  ثالثا: قيام المركز القومي للتحول الإلكتروني، ويتبع له المركز القومي للمعلومات لقيادة التحول الى حكومة إلكترونية وجذب الموارد لتكملة عمليات الدفع الإلكتروني بالبلاد.

 رابعاً: قيام المفوضية العامة لمكافحة الفساد، ومهمتها وضع الأسس والقوانين والتشريعات الرادعة للفساد في القطاعين العام والخاص، ويناط بها أيضا مراجعة قضايا الفساد الكبرى التي تمت خلال الـ 30 عاماً الماضية، مثل إيرادات البترول، والذهب والمشاريع القومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى