وزارات القطاع الاقتصادي.. ما بين الواقع والمأمول

الخرطوم: رشا التوم 

 وأًخيراً أسدل الستار على المسرح السوداني عبر الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة  وأسماء الوزارء لتقلد مناصبهم المختلفة، وفي هذا المنحي ما يهمنا قطعًا القطاع الاقتصادي بوزرائه،  ويدور في الأذهان سؤال واحد حول ما هي الخطط والبرامج الاقتصادية المستقبلية لحل المشكلات الحقيقية التي  أقعدت الاقتصاد السوداني، وأدت إلى تدهوره بصورة مريعة خلال العقود الماضية، وفي محاولة للبحث والتحليل ووضع خارطة طريق للمستقبل  تفاديًا للأخطاء الجسيمة والسياسات المالية الخاطئة التي ترتب عليها تدهور الاقتصاد على مدى السنوات الماضية، نتيجة غض الطرف ومحاولة إخفاء الحجم الحقيقي للمشاكل الاقتصادية في البلاد. وعليه الساحة الاقتصادية في شوق حار وانتظار لما ستسفر عنه خطط الوزراء الجدد وعلى رأسهم وزير المالية  والصناعة وغيرها من اتخاذ قرارات منظمة لرسم خارطة الطريق وإنهاء الأزمة باتخاذ قرارات تصب في تخفيف الضغوط الاقتصادية  على معاش الناس. 

أبرز التحديات 

 تتمثل أهم المشكلات الاقتصادية الناجمة عن فترة النظام السابق في ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل العملة الوطنية وشح السيولة وأزمة الوقود وارتفاع معدلات التضخم والأسعار بالأسواق والانقطاع الدائم لشبكات المياه والكهرباء وانعدام التخطيط السليم لمشروعات البنية التحتية.

ملفات شائكة 

  وعطفاً على حديثنا السابق، فإن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي  والتي تعتبر أهم الوزارات المعنية بترتيب أولويات الصرف على المشروعات الحكومية ومعاش الناس  وتوفير كافة المطلوبات المالية للبلاد من مكون محلي وأجنبي وتقلد حقيبتها الوزارية د. إبراهيم البدوي والذي تقول سيرته  إنه خريج كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم مرتبة الشرف الأولى في الإحصاء والاقتصاد وعليه فهناك تركة ثقيلة لوزارة المالية يقع عبئها على عاتق الوزير الجديد، منها:   

معضلة الدولار  

  تعتبر قضية ارتفاع الدولار في السوق السوداني معضلة رئيسية وإشكالية بالغة التعقيد، وهي قضية البلاد الاقتصادية الأولى، والدولار تسبب في أزمة الوقود والنقود والخبز  وارتفاع سعره من 5 جنيهات إلى ما يقارب الـ 70 جنيهاً وتراجع ليستقر على 67 جنيهاً، ونشطت التجارة غير المشروعة في سوق العملات وانتعاش السوق الموازي على حساب السوق الرسمي، وخلقت كثير من الممارسات الخاطئة  والتي شوهت الاقتصاد وأثرت على معاش الناس وأصبح الراهن الاقتصادي يجري خلف الدولار صعوداً وهبوطاً.

 التهريب  

 انتشرت ظاهرة تهريب  السلع الاستراتيجية والغذائية مثل الوقود والدقيق  والذهب والتى عجزت الحكومة السابقة عن القضاء عليها، فوقف نزيف التهريب بشكل نهائي وسريع في الذهب الذي أصبح بديلاً للبترول بعد فقدانه عقب انفصال الجنوب يمثل تحدياً آخر، فالسودان ينتج ٢٠٠ طن من الذهب  بحسب دراسات اجريت  في فترة سابقة والمعلن فعلياً في حدود 100 طن، بينما الذي يدخل خزينة الدولة كعائد من حصيلة صادر الذهب ٢٨ طناً مع العلم أن قيمة المئتي طن في السوق تعادل ٨ مليارات دولار نفس رقم احتياج الدولة من الدولار، فحال استطاع الوزير الجديد  محاربة التهريب فسوف ترتفع العائدات لتوفير الدولار الذي تحتاجه الدولة والمواطن معاً.  

الميزان التجاري 

يقدر عجز الميزان التجاري بحوالي ٦ مليارات دولار نتيجة طبيعية خلفتها الفجوة الكبيرة بين واردات البلاد وصادراتها، حيث تصدر البلاد 6  من إجمالي ٩٩ سلعة ، مما يؤكد  أن العجز التجاري الكبير في ميزان التبادل التجاري يمثل تحدياً  صعبا أمام  د. البدوي، إذ أن حجم الدعم في ظل انهيار الجنيه أمام الدولار بات أكبر، وهذا يعني صعوبة توفير مبلغ الدعم من موارد محلية، وعليه يجب أن يتجه الوزير إلى تغيير النمط القديم في التعامل مع المجتمع الدولي وصناديق التمويل الدولية والعربية والإقليمية من أجل تفعيل روابط جديدة تمكنه من جلب استثمارات ودعم مالي مقدر.  

    دقيق الخبز  

 بالعودة إلى الوراء قليلاً نجد أن  مشكلة الدقيق نشأت في العام٢٠١٦م مما يعني وجود عبء كبير على ميزانية الدولة في شراء القمح للمخزون الإستراتيجي مع بقاء استيراد القمح من الخارج مما يعني مضاعفة الصرف وهذا تحدّ كبير أيضاً أمام وزير المالية، فالخبز أهم روابط الحياة المعيشية وانعدامه أو الشح في الدقيق يخلق ربكة كبيرة في المجتمع الذي تغير نظامه المعيشي ليصبح الخبز مرتكزاً أساسياً للمعيشة.

شح السيولة 

والثابت أن معضلة شح السيولة أرهقت  الحكومة السابقة وعجزت عن حلها، وفي محاولات سابقة تمت الاستعانة بعملية طباعة النقود  لسد العجز في البنك المركزي، وفي المقابل اتسعت الفجوة نتيجة للإنفاق الحكومي المترهل  والذي تجاوز بحسب تقارير رسمية 50 ترليون جنيه،  وعدم توفر ضمانات كافية  لتوفير السيولة بالمصارف ويعود  السبب الرئيس فيها الى السياسات الخاطئة من بنك السودان وما ترتب عليها من  تعاملات ربوية في أغلب قطاعات الاقتصاد السوداني .

 والسيولة تعد من أسوأ المشكلات التي واجهت اقتصاد البلاد، وهي إحدى الملفات الساخنه التي أدت لنسف استقرار النظام السابق، وعلى وزير المالية البحث عن وصفة سحرية للخروج من عنق الزجاجة المتعلق بشح السيولة. 

القطاع الصناعي 

ظل كثيرون ينادون بضرورة إزالة التشوهات الاقتصادية الهيكلية والإدارية التي تعوق الصناعة المحلية التي تسببت في إغلاق أكثر من 40% من المصانع عن الإنتاج  وعليه توقف عدد  كبير من المصانع عن العمل بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وعدم المنافسة الداخلية.

شبح التضخم

  ارتفعت معدلات التضخم  بدرجة كبيرة أرهقت المواطن وجعلت القوى الشرائية للنقود تقل وأكثر من 60% من الشعب السوداني تحت خط الفقر بالمقياس العالمي دولار وربع الدولار في اليوم، بما يعادل 35 دولاراً في الشهر  وكان طبع العملات غير المقابل باحتياطي للعملة المحلية من أهم العوامل في نمو التضخم،  حيث وصل معدل التضخم إلى ٧٢.٩% في العام ٢٠١٨م. 

 الرسوم والضرائب

تعتبر الرسوم والضرائب والرسوم الجمركية هماً ثقيلاً  عانى منه المواطن والمنتج المحلي، وأضحت عملية الإنتاج والإنتاجية وتوفير الخدمات المدعومة للمواطنين أمراً مستحيلاً.

 تنامي معدلات الفقر 

 تم  إعداد وثيقة قومية لاستراتيجية خفض الفقر، لفترة خمس سنوات اعتباراً من العام الماضي، وعليه فبإمكان الوزير الجديد للمالية إعادة النظر  في مخرجات الوثيقة أو استبدالها وإجراء دراسات مستفيضة في هذا الشأن لمعرفة حجم الفقر بأرقام واقعية واتباع أنجع السبل لتخفيف الفقر على الشرائح الضعيفة في المجتمع السوداني، وتوفير الدعم الاجتماعي والضمانات الاجتماعية بصور شتى. 

  الديون الخارجية 

الحُلول المتوقعة لحل مشكلة الديون الخارجية تكمن في نهج جديد مع العالم الخارجي لإيجاد الحل المناسب بغرض الإعفاء أو تجزئة الدين، ووضع سياساتٍ  جدية لعلاقات أكثر انفتاحاً مع العالم الخارجي.

وزارة الطاقة والتعدين 

 تلك الوزارة هي الذراع الثانية للدولة وضمن أهم المؤسسات الاستراتيجية التي تضخ إيرادات تدعم الخزينة المركزية، وتربع على عرش إدارتها عادل علي إبراهيم الذي تتحدث سيرته بأنه خريج جامعة الخرطوم بكالوريوس مع مرتبة الشرف من كلية العلوم قسم الجيولوجيا، وتلقي تدريبات ودراسات مهنية متقدمة  وفق أفضل معايير الممارسات لعالمية في صناعة النف وقطاعاته التجارية واختيار الرجل ربما وافق هوى كثير من الخبراء في قطاع النفط، لأنه تم تعيينه عبر الكفاءة وليس بالحزبية أو الجهوية والمحاصصات السياسية، فالنفط قطاع مهم ينتظر أن يحقق للدولة ما فاتها في مراحل سابقة وتعويض الخسائر المترتبة على فقدان 

 عائداته  بعد انفصال جنوب السودان، ومن ثم التفكير بجدية في كيفية زيادة الإنتاج النفطي الحالي، ورفع معدلات الاستخلاص النفطي والتوسع في عمليات الاستكشاف والتحقق مجدداً من الاتفاقيات الموقعة مع الدول الأجنبية والشركات العاملة في التنقيب عن النفط  لإعادة القطاع تدريجياً وإدخال عائداته إلى المؤسسة الرسمية للدولة والبنك المركزي لدعم صادرات البلاد النفطية، والبت أيضاً في الديون المتراكمة للشركات ومستحقات رسوم العبور لدولة جنوب السودان، ووضع خارطة جديدة للتعامل في قطاع النفط بصورة جدية، ولا ننسى أهم المشكلات التي أدت إلى إشعال فتيل الثورة، وهي شح الوقود (الجازولين والبنزين) على التوالي، وتواجه المواطنين أزمات متكررة في السلعتين، مما أثر على قطاع النقل والمواصلات  بصورة خاصة والقطاع الزراعي والندرة في المشتقات النفطية أدخلت البلاد نفقاً آخر من الأزمات التي تتعلق بتيسير حياة الناس ومعاشهم وتعالت الأصوات الناقمة على أداء الوزارة مطالبة بتوفير احتياجات البلاد من النفط ومشتقاته.  

 وزارة التجارة والصناعة 

 تم تعيين الأستاذ مدني عباس مدني وزيراً لتلك المؤسسة الاقتصادية الفعالة، وهو حاصل على درجة الماجستير من جامعة الخرطوم كلية الاقتصاد، وفي العقود الماضية تراجع الأداء الفعلي لكل من وزارة الصناعة والتجارة اللتين تم الفصل بينهما خلال النظام السابق، ونظراً للراهن تأكد إدماج الوزارتين في واحدة مجدداً نتيجة لتقارب المهام في كلا المؤسستين وتعد التجارة والصناعة مؤسسة إيرادية بالغة الأهمية وتنضوي تحتها قطاعات أساسية تتمثل مشكلتها الرئيسة في دراسة أجراها الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي كشفت عن  توقف 80% من المصانع عن العمل بسبب السياسات الخاطئة وتجفيف السيولة ويواجه القطاع تهالك آلياته ومعداته وأساليب الإنتاج القديمة، وتدني مستويات الجودة، ويعد مستوى التنمية في قطاع الصناعة التحويلية غير كافٍ وذلك نتيجة لانخفاض القيمة المضافة لسلع الصادر مع ارتفاع مستوى التهريب للسلع ونلاحظ تراجع التجارة الحدودية التي توقفت مع دول الجوار، وفي فترة سابقة واجهت وزارة التجارة انتقادات حادة بأنها سلبت منها مهامها الأساسية لتوكل إلى وزارات أخرى وأيضا مورست عليها ضغوط كبيرة للانسحاب من تكتلات اقتصادية ومنظمات تجارية تحسب خصماً على السودان ومنتجاته وصادراته، وأتت دون إضافة تذكر مطالبين بانسحاب البلاد منها، ولتحقيق الاستقرار الاقتصادي المطلوب في قطاع الصناعة والتجارة،  لابد من إنعاش الصاد، ومراجعة التعريفة الجُمركية، لأنّ تدني الإنتاجيةِ في الزراعة، وفي الإنتاج الحيواني يُعيق قُدرات البلاد التنافسية، ويعمل على إضعاف موارد البحث والإرشاد الزراعي والصناعة، التي تُعاني بدورها من تهالك الأصول والطاقات المعطّلة، فضلاً عن التكاليف الباهظة في النقل والرسوم. وعلى مدني إيجاد أسواقٍ جديدةٍ للصادر، والعمل على تنمية صادراتٍ غير تقليدية، مع الاهتمام بتطوير نوعية المنتجات وطُرق تعبئتها. ونسأل الله الإعانة والسداد للوزير الذي تنتظره الكثير من القضايا الشائكة، ونامل أن يرسم واقعاً أفضل مستقبلاً. 

 وزارة الري والموارد المائية 

  تسلم مهامها  بروفيسور ياسر عباس،  الذي تخرج من جامعة الخرطوم كلية الهندسة،  ويشغل حالياً مدير عام مركز البحوث الهايدروليكية والرجل ليس ببعيد عن القضايا الراهنة التي تقف عائقاً أمام وزارته ويترقب منه الاهتمام بالاستمرار في مشروعات حصاد المياه والتوسع في إنتاج الطاقة الشمسية والسدود والري للمشاريع الزراعية واستكمال مشروعات  التوليد الكهربائي في كل من قري وبورتسود ان والخطة الموضوعة لرفع التوليد الكهربائي للبلاد خاصة وأن الفترة الأخيرة برزت إلى السطح مشكلات متعددة بانقطاع خدمة الكهرباء واستمرار القطوعات غير المبرمجة بجانب قطوعات المياه. 

خارطة جديدة 

 ولنضع خارطة طريق محددة المعالم للسير عليها مستقبلاً لإصلاح اقتصادي شامل لوضع الاقتصاد السوداني  يجب إحداث ثورة في جميع مناحي الاقتصاد تنفض عنه التراخي والتسيب وتثبت في أوصاله نهضة جامعة تجعله أهلاً للطموحات التي تتناسب مع الإمكانيات الهائله للبلاد. 

 ولا نغفل إعادة النظر في المناخ الاستثماري، وتشجيع النشاط التعاوني، بشقيه التعاوني والاستهلاكي ومراجعة قانون وزارة التجارة والصناعة والتعاون، بما يُحقق تقنين التجارة الخارجية. والنظر في كل القوانين الاقتصادية وتطبيقاتها وتحديد إيجابياتها وسلبياتها وذلك لتحقيق العدالة  الاجتماعية.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى