القبلية.. دعوها فإنها مُنتنة

 

وعدت القارئ الكريم أن أواصل الحديث فيما تبقى من المقال السابق (اختلافاتنا في السودان وسبل التعايش معها)، ولكن طرأ هذا الخبر الذي هو ليس أقل أهمية من الأول.

أوردت صحف الثلاثاء المنصرم مقتل 6 أشخاص وإصابة أكثر من ثمانية آخرين في صراع قبلي بولاية غرب دارفور في حاضرتها مدينة الجنينة، مما اضطر والي الولاية المكلف إصدار أمر (بحظر التجول) في كافة الولاية لأجل غير مسمى.. نسأل الله السلامة والعافية.

في ظل الأوضاع المعيشية القاسية التي تمر بها البلاد والغلاء الطاحن في كل السلع الضرورية، نقع في بلاء آخر (المشاكل القبلية). قبل فترة بعد جهد كبير من الحكومة والإدارات الأهلية همدت نار الفتنة التي شبت في شرقنا الحبيب ولاية البحر الأحمر بين قبائل تعايشت أكثر من قرن من الزمان، نسأل الله أن يدوم الأمن والسلام في جميع أنحاء البلاد.

العصبية القبلية والجهوية واحدة من الأمراض التي استشرت في جسد الشعب السوداني والانشغال بها في هذه الأيام يجعل الحكومة تترك الاهتمام بالقضايا الكبرى والمصيرية كاتفاقية السلام مع الحركات المسلحة، والسعي نحو تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ومعلوم أن التعصب القبلي سبب الضعف والوهن في جسد الأمة الإسلامية عامة والشعب السوداني على وجه الخصوص، إضافة لذلك أن العصبية القبلية تجعل المسلم يخسر آخرته، فهو يكسب السيئات عند وقوعه في جريمة القتل، والأذى الجسيم، وعرض أخيه، الذي ينتمي إلى الجماعة الأخرى، ومن ثم بالإساءة والشتم والسخرية والاستهزاء. فلذلك عندما ظهر الإسلام نهى عن التفاخر بين الناس الذي يودي بهم إلى التعصب القبلي و الانشقاقات والخلافات بين الناس، والتفريق بين المجتمع الواحد، بل وتودي بهم إلى قطع أواصر الصلة والمحبة بينهم.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

وروى الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك قال صلى الله عليه وسلم: (أربعة في أمتي هن من أمر الجاهلية لا يتركونهن، الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة عند مصيبة) رواه أحمد.

وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله قال: (كنا في غزوة . كسع رجل من المهاجرين رجل من الأنصار، فقال المهاجري يا للمهاجرين فقال الأنصاري يا للأنصار لما سمع ذلك النبي صلي الله عليه وسلم: قال ما بال دعوى الجاهلية دعوها فإنها منتنة). إنتهى

ومع الأسف الشديد، الآن الغرب تجاوز مرحلة القبلية. وكان للثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وما أعقبها من نزوح الريف إلى المدن التي توسعت فنشأت علاقات ومصالح جديدة ربطت المواطنين بالدولة والوطن وتلاشت الروابط القبلية. وفي القرن العشرين اضمحلت الأسرة حتى كادت أن تختفي وحلت محلها علاقات صداقة بين الأجناس والقبائل، فلذلك تصححت كل المسارات عند الدول المتقدمة حينما تشافت من العنصرية القبلية والجهوية الضيقة، بل يصف بعض أهل العلم الذي يتعصب للقبلية والجهوية وهو شخص ناقص عقلياً أو ومريض نفسياً لأن الفخر خصلة ذميمة مباهاة وتعاظم على الغير يتناقض مع صاحب العقل السليم. وبغير هدي من الله ورسوله.

في بعض الأحياء العريقة في أمدرمان على وجه الخصوص تعايش الناس أكثر من قرن من الزمان وتصاهر بعضهم حتى لا يعرف الرجل قبيلة الآخر. هكذا ينبغي أن يكون حال كل أهلنا في السودان.

نسأل الله أن يصلح حال العباد والبلاد إنه جواد كريم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى