هل الحرب بخرت أحلامهم في الهيمنة على الوطن؟

(رب ضارة نافعة) … عبارة تنطبق تماماً على الحالة السودانية التي ظلت مستعصية منذ تخلق ونشوء ما يعرف بالدولة الوطنية في العام 1956 والتي فشلت تماماً في إدارة التنوع والاختلاف كما عجزت في الاستفادة من الموارد والمقدرات  الهائلة التي يزخر بها السودان علاوة على أزمة الهوية وسياسة الاستبداد والهيمنة التي ظلت تطغي علي تفكير النخب في خلق جهاز مفاهيمي يعالج قضايا الحكم والإدارة ويحقق التنمية المتوازنة الأمر الذي قاد البلاد إلى سيناريوهات كارثية هي الحرب في ظل سلطة مركزية قابضة احتكرت العنف والتنمية والسلطة والثروة .. لتظل حالة الاحتقان قائمة لما يقارب السبعة عقود من الزمان أريقت خلالها الدماء وارتكبت جرائم الحرب جرائم ضد الإنسانية وأهدرت الموارد واصطدمت فيها الهويات وتفشت العنصرية واستشري خطاب الكراهية وانحسر ما يعرف بالخطاب القومي على هشاشته واضمحل العقل التفكير الجمعي وصرنا مجموعة من الشعوب المتناحرة تعيش في رقعة جغرافية أطلق عليه جمهورية السودان وهي لا جمهورية ولا دولة، بل حكومات نخب ظلت تستأثر بالموارد وتحتكر القرار السياسي ليظل السواد الاعظم من الشعوب السودانية يعيش على الرصيف وعلى هامش الحياة.

الحروب في جغرافيا السودان ليست بدعة جديدة.. شهدنا حروب في جنوب السودان حتي قبل الاستقلال دفع ثمنها شعب الجنوب لنصف قرن من الزمان وحروب بجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان … لا يزال طيف عريض من هذه الشعوب السودانية يعاني من آثار تلك الحروب ولكن بانتقالها إلى المركز ومناطق أخرى من السودان تعالت الأصوات الرافضة لها لكأنما أولئك يستحقون كل تداعيات الحرب من موت تشرد ونزوح ولجوء مالكم كيف تحكمون وهذا يشير إلى أنه لا يوجد وجدان مشترك بين هذه الشعوب بل يؤكد أن هنالك شعوب لا تملك حتي حق الحياة ناهيك عن حق المواطنة المتساوية.

كثير من البلدان الافريقية استطاعت أن تخرج من ركام حروباتها إلى إعادة تأسيس وبناء دولة المواطنة ودولة العدالة الاجتماعية لأن الحروب عادة ما تحدث صدمات خلخلة في بنية الدولة المركزية وتحطم مراكز القوة وتفتت العنف المحتكر وهذا يقود الي بالضرورة التفكير في العودة إلى منصات التأسيس وبناء عقد اجتماعي جديد يفضي إلى المشروع المدني الديمقراطي القائم على تحقيق العدالة والسلام عن طريق إجراءات اهمها العدالة الانتقالية والدستور .

أي تسويات ستتم عن طريق مبادرات اقليمية ودولية يجب ان تعالج التعقيدات والازمات التاريخية المتراكمة … وان تبعد عن التسويات السياسية التقليدية القائمة على المحاصصات والترضيات فالأزمة ذات ابعاد هوياتية وثقافية وسياسية واجتماعية … وظلامات تاريخية وبالتالي لابد من إعادة تعريف الوطن وتحقيق دولة المواطنة القائمة على الحكم الرشيد.
                                                                                                                                                   ودمتم..

 نجم الدين دريسة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى