ما بعد التوقيع مع عقار

 

*أذكر جيداً أثناء دراستنا الجامعية كان معنا العديد من أبناء دارفور ومازالت العلاقة مُمتدة معهم، وكنا نجلس ليحكي كل مِنّا عن خيرات مَوطنه الذي أتى منه، وكان أكثر مَا يشدنا من تلك القصص ما يذكر عن نيالا وواديها، والجنينة وترابُط أهلها.

*لم نكن نتوقّع أن يأتي يومٌ وتشهد تلك المدن حرباً بين أبنائها، ولكن للأسف سياسة النظام السابق كرّست لتلك الأعمال، فاندلع التمرد في العام 2003م ليعاني أبناء دارفور كثيراً فيما بعدها من سنوات.

*وبعد أن كانت الحرب في جبهة واحدة وهي جنوب السودان، انتشرت لتمتدّ إلى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

*وحينما وقّعت الحكومة السابقة اتفاق نيفاشا مع الحركة الشعبية في العام 2005م، قال قائد الحركة الشعبية الراحل جون قرنق مقولته المشهورة “إن أصواتاً في الشمال وفي الجنوب تنادي بالانفصال، مَن يُريد الانفصال عليه أن يقاتل للحصول عليه”.

*مضت نيفاشا بانفصال الجنوب ليصبح دولة ذات سيادة، وتواصلت الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، حتى ظهرت نوايا الانفصال لدى المنطقتين “جنوب كردفان والنيل الأزرق” ثم رحلت الإنقاذ لتبدأ الحكومة الانتقالية مرحلة جديدة من التفاوُض، حسب ما اتّفق عليه في الوثيقة الدستورية من أجل بناء دولة قوية ذات اقتصاد مُعافى يخلو من الحروب في الجبهات كَافّة.

*إخوة الأمس “دولة جنوب السودان” تكفّلوا باستضافة هذه المُفاوضات مع الجبهة الثورية والحركات المسلحة كَافّة التي كانت ترفع السلاح في وجه الإنقاذ وليس أمام الشعب السوداني، وبالأمس فقط نَجَحَ نائب رئيس المجلس السيادي ورئيس وفد التفاوُض الفريق محمد حمدان دقلو من التوقيع على اتفاق إطاري مع الحركة الشعبية تحت قيادة مالك عقار، وَحَوَى الاتّفاق الإطاري الذي وُقِّع أمس على

الاتفاق السياسي والترتيبات الأمنية والإنسانية.

*رئيس دولة الجنوب الفريق سلفا كير ميارديت كان حُضُوراً في القصر الرئاسي ليشهد على توقيع الجانبين على هذا الاتفاق الذي يُعتبر خطوة مُتقدِّمة جداً في طريق السلام.

*الشعب السوداني عَانَى كثيراً منذ الاستقلال وحتى اليوم جَرّاء الحروب التي أنهكت خزينة الدولة وجعلت الاقتصاد مُتهالكاً لا يقوى على الإيفاء بالالتزامات الضرورية، وبتوقيع الأمس يُمكننا القول إنّ الحكومة الانتقالية تسير في الطريق الصحيح، فإذا لم تَنتهِ الحرب لن يحدث استقرارٌ ولن تكون هناك تنميةٌ.

*كل أهل السودان تابعوا زيارة رئيس الوزراء حمدوك إلى كاودا التي تُسيطر عليها الحركة الشعبية جناح الحلو، وشاهدوا روعة المكان الذي لم يَستفد منه الاقتصاد السوداني بسبب الحرب، والكثيرون يَعلمون خيرات الكرمك وقيسان وغيرهما من مُدن النيل الأزرق وأيضاً لم نستفد من تلك الخيرات بسبب الحرب، وإن نجحت الحكومة الانتقالية في التوقيع مع الحلو كما حدث مع عقار، سيشهد السودان مرحلة جديدة من تاريخه نرجو أن تكون فيها الفائدة على عامة الشعب السوداني.

*ننتظر بفارغ الصبر عودة وفد التفاوُض بجوبا وبرفقته أبناء السودان الذين حملوا السلاح في الجبهات المُختلفة ليسهموا في بناء السودان الجديد الذي نحلم به، باقتصاده القوي وتَوحُّد أبنائه في الشرق والغرب والشمال والجنوب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى