تزوَّجي…. وكوني واقعية

بعد يومين من الزفاف جلست «هدى» في الفراش، وقد أسندت ذقنها إلى ركبتيها مفكرة بعمق.. نظراتها مثبتة على «كمال» زوجها الذي صار كذلك من يومين، وكان ما زال نائمًا.

لاحظت أن ذقنه نامية مما جعله يبدو كالسفاحين المكسيكيين في أفلام رعاة البقر.. وكان يلتهم تلك الأجسام الغامضة التي يأكلها النيام دائمًا.. لاحظت كذلك أن جفنه لا ينغلق جيدًا، لهذا ظل جزء من عينيه باديًا لعينيها وهو أبيض تمامًا. صدره يعلو ويهبط كالمضخة وصوت الشخير ينبعث منه.

لاحظت كذلك أن إبهام قدمه كبير جدًا ولا يتناسق مع بقية الأصابع. بعد قليل صحا من النوم فجلس على حافة الفراش وراح يمارس عملًا فريدًا، هو أنه يهرش شعر رأسه ثم تنحدر يديه لتهرشا ذقنه محدثة ذلك الصوت المزعج (فريشت فريشت)..

نهض إلى الحمام.. لم تره يدخل الحمام قط أيام الخطبة، وقد بدا لها هذا عملًا غير رومانسي البتة. دقائق ثم سمعت صوت السيفون وانفتح الباب.. ها هو ذا يقف أمام مرآة الحمام وقد دهن ذقنه بالكريم .. يصفر وهو ينتقي موسى حلاقة مناسبة.. يبدأ في الحلاقة وهو يرمق كل ما يدور خلف ظهره عن طريق المرآة كأنه يقود سيارته.

عندما انتهى مشى والمنشفة فوق كتفه، كأنه راهب بوذي، ليجلس على مائدة الإفطار. وضع في طبقه طنًا من الفول المدمس، وثلاث بيضات ثم جذب رغيفين.. لم ينس أن يقطع طنًا من الجبن يضعه على حافة الطبق.

“هل يوجد بصل هنا؟”

هكذا جلست شاعرة بالصدمة.. هي لم تتزوج هذا الرجل.. لم يكن هو الرجل الذي عرفته في الخطبة، والذي لم يكن يأكل أبدًا بل يكتفي بتأمل عينيها.. الأسوأ أنه يعبث باللقمة في طبق الفول قبل أن يأكلها، ويتأمل البيضة في غرام قبل أن يدسها في فمه. طعام هذا الرجل يحتاج إلى متعهد تغذية لا إلى زوجة.

تأمل كيف يهشم البصلة بقبضته وكيف يضرب البيضة في جبهته كي يقشرها.. مستحيل.. لا بد أن هذا كابوس.

عندما عادت هدى إلى المكتب بعد شهر العسل، سألتها عن الزواج، فهزت رأسها وابتسمت بما يعني أن الأمور سيئة جدًا ..

قلت لها في قلق:

هل بدأ بتعاطي الماريجوانا؟.. هل يلعب القمار مع رفاق السوء كل ليلة وأرغمك على بيع مجوهراتك؟… كم زجاجة خمر يشرب قبل النوم؟

هزت رأسها أنه لا شيء من هذا. لكن هناك ما هو أسوأ.. زوجها فظ وغير رومانسي بالمرة.

قلت لها في صبر:

المشكلة أن الأفلام العربية أفسدت تفكيرك.. رشدي أباظة يصحو من النوم بالبذلة وربطة العنق أو البيجامة المكوية.. كمال الشناوي لا تتبعثر شعرة من رأسه أبدًا.. مهما حدث لعماد حمدي، فهو «جنتلمان» لا ينسى أن يفتح باب السيارة لشادية كي تركب.. أفظع شيء يمكن أن يحدث لأنور وجدي هو أن تسقط خصلة شعر على عينه..

ـ”كان كمال مثلهم وأكثر”ـ

قلت لها في صبر:

ماذا تتوقعين؟.. الناس يروننا ساعة أو ساعتين في اليوم، فنحاول أن نظهر بأفضل صورة ممكنة.. لا تتوقعي من خطيبك أن يبصق ويشتم ويصفعك ويمسك بزجاجة خمر يمشي بها مترنحًا لمجرد أن يكون صريحًا.. بالطبع نحن نمثل.. نتجمل أمام الناس، ثم يصير من حقنا التام أن نتعب ونتخلى عن أقنعتنا عندما ننفرد بأنفسنا. لو قلت لي إن زوجك ينام بالبذلة أو لا يأكل أو يمشي حاملاً باقة ورد طيلة اليوم، لأصابني الذعر وطلبت منك أن تأخذيه لطبيب نفسي ..

قالت في قلق:

تصور .. هو أسبوع واحد وقد اكتشفت الكثير .. فماذا يأتي به الغد؟

ابتسمت في رقة وقلت:

هذه مسألة متروكة للحظ… قد تكتشف الزوجة أن زوجها الرقيق هو في الحقيقة سفاح هارب أو يأكل لحم البشر.. ربما هو هتلر الذي فر من الحلفاء.. ربما هو مصاص دماء أو ميت منذ عشرة أعوام.. أو ربما هو مجرد وغد آخر.. كما قلت لك: لن تعرفي هذا إلا بعد عام على الأقل.. لا أريد أن أسبب لك توترًا .. فلنترك الأمور تمضي في مسارها الطبيعي إلى أن يعلن عن حقيقته السوداء التي أخفاها طويلاً!!

*د . أحمد خالد توفيق

تلويح:

مشكلة الزواج الحقيقية أننا نريده أن يكون قصةً حالمة… بينما كل ما فى وسعه أن يكون قضية واقعية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى