حول تقرير فاتو

وجد التقرير الدوري الروتيني الذي تُقدّمه المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، لمجلس الأمن الدولي كل ستة أشهر، والذي عرَضته أمس بنيويورك، وجد اهتماماً إعلامياً وإسفيرياً كبيراً، مردّه التعويض النفسي لمؤيدي المحكمة في إطار صراعهم مع المجلس العسكري، وانتقاماً محتملاً من الرئيس السابق ونظامه، وبدا البعض مُبتهِجاً بالتقرير المَعِيب الذي خلَط ما بين المسائل الراتبة والمتن المُكرّر الذي تقدّمه المُدّعية العامة حول حالة السودان، والمستجدات الجديدة التي لا علاقة لها بتفويض المحكمة وعمل المدعية العامة والقضاة والدوائر المُكوِّنة للجنائية الدولية .

ولابد من الإشارة أولاً، إلى أن التقرير الذي حوَى تفاصيل ومسائل معلومة لا جديد فيها، تناوَل فذلكات ورصداً اتَّسم باختلال مُريع في عرض المعلومات وعدم دقّتها مما يُوضّح أنها معلومات سَماعِية أو تقارير كُتِبتْ على عَجَل دون التثبّت من صحتها، مثل معلومات المناطق والقرى أو أسماء المُتّهمين والمسؤولين ورتبهم العسكرية، ودائماً ما تقع التقارير الدولية التي تُعرَض في مجلس الأمن وخاصة تقارير المدّعية العامة للمحكمة الجنائية الروتينية في نفس هذه المغالطات والأخطاء والخلط دون أن تُصحَّح بشكلٍ جيّد عند عرض الحالة الظرفية الزمانية والمكانية في دارفور .

أجزاء كبيرة من التقرير، تناولت الجدال القانوني حول استقبال المملكة الأردنية الهاشمية للرئيس البشير للمشاركة في القمة العربية التي عُقدت بالأردن العام الماضي، ولَم تمتَثِل الحكومةُ الأردنية للقبض على البشير وتسليمه للمحكمة، وأوردت المدّعية تفاصيل ما دار حول رد الأردن على دعاوى المحكمة واتهامه بعدم تسليم البشير، وطلب الاستئناف الذي قُدّم في هذا المجال، وأرادت المُدّعية إطلاع المجلس على تفاصيل مطّاطة وموغِلة في دقيقِ ما أوردته من تعاطيات قانونية قد لا تكون مفيدة في تقرير دوريٍّ لا يتبعه أي قرار يُتّخذ أو إجراء قيد التنفيذ .

الأكثر مُفارقة لمقاضي التقرير للسيدة فاتو، هو محاولتها إقحام ما يجري الآن في السودان في تقريرها الذي يجب أن يكون مُركزاً فقط في القضية التي تمّت بموجبها الإحالة من مجلس الأمن، ولَم نسمع حتى اللحظة أن قراراً صدَر عن مجلس الأمن الدولي بشأن الاعتداء على مدنيين أو العنف أو اتهام مباشر لأي طرف سوداني بارتكاب جُرم يُحفّز المدّعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية للتحدّث عنه، ولَم تُكوَّن أي لجنة تحقيق حتى يكون لديها تقرير ترجع إليه المدعية في بناء ادّعاء أو تقييم نهائي للأوضاع الراهنة في السودان .

ما قامت به مُدعية المحكمة الحنائية عمل سياسي من الدرجة الأولى، تجاوزت فيه تفويضها وتفويض المحكمة، وأدخلت وقائع جديدة في تقريرها من دون حق، ومن دون تحقيق، وفتحت بذلك المجال للمزايدات السياسية من بعض مندوبي الدول من أعضاء المجلس الدائمين وغير الدائمين ليحوّلوا الجلسة إلى معرض سياسي تُعلن فيه كل جهة عن مواقف للاستهلاك السياسي….. وأخيراً انفضت جلسة مجلس الأمن الدولي كما هو حادث في كل مرة، دون قرار أو بيان أو يحزنون …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى