خربشات الجمعة

 (١)

* في طريق العودة من مدينة عطبرة عاصمة الحديد  والنار كَما يُطلق عليها، وهي إحدى قلاع العُمّال والثورات  والتمرُّدات، مدينة عصية على العسكر ومُتمرِّدة على المدنيين، من أنفاسها يخرج الثُّوّار رافعين مشاعل التغيير.. كان المساء قد تسلّل بغتةً ونحن في ضيافة أسرة الأستاذ الباحث والصحفي الإنسان صلاح عبد الحفيظ الذي فقد  كل شيءٍ برحيل والده الذي يمثل له كل شيء.

*في طريقنا إلى الخرطوم، تذكّر الأخ الصادق الرزيقي  صديقاً يجمع ثلاثتنا، الصادق ووجدي الكردي وثالثهم  شخصي، وما ذلك الصديق إلا شيخ العرب ونَوّارة شندي  وكسلا معاً، الصديق مصلح نصار زعيم الرشايدة، وأحد  أبناء السودان الحريصين على مُستقبله، وقد حملت الأسافير صوراً لمصلح نصار تجمعه بشخصيتين كلاهما محل إثارة، صلاح قوش رجل المخابرات المُثير للجدل صانع ثورة التغيير وأول ضحاياها، والثاني مبارك مبروك سليم السياسي مُتقلِّب المَزاج والرأسمالي عريض الثراء والبرلماني العائد لأحضان الحزب الاتحادي الديمقراطي بعد طول انقطاع.. ربما كان الصادق الرزيقي يبحث عن قصة سياسية عن لقاء القاهرة بين مصلح وصلاح قوش، فكان الاتصال بمصلح وقد خاب الظن بوجوده في مسقط رأسه ضاحية مويس بمدينة شندي عاصمة الجعليين التاريخية.

كان مصلح لا يزال في مصر وتحديداً في صحراء سيناء، حيث بعض من عشيرته هناك، وبعض من عشيرته  بالحجاز، وفرع  ثالث بصنعاء وعدن، والرشايدة هم الرابط  الوحيد بين الأمة العربية في زمن التشرذم والتشظي  والانقسام.

(٢)

ما دخلنا مناخات شندي، إلا وكان اثنان من أبناء الرشايدة  يقطعان الطريق بما يعرف عند أهلنا في الجزيرة بعوج  الدرب، انتظرتنا سيارة بوكس وعلى متنها أشقاء الزعيم  مصلح نصار، أقسموا بطلاق زوجاتهم بأن نرافقهم إلى جنينة مصلح نصار في أطراف شندي، ولكن بدأت  الاعتذارات من أشرف خليل ووجدي الكردي، والشباب  يقسمون علينا بأنّ وصية نصار ذبح خروفين إكراماً لنا  واحتفاءً بقُدُومنا، وبعد جُهدٍ وتنازُلات ووعودٍ بالعودة إلى مويس في مُقبل الأيام، تنازل أشقاء مصلح نصار بشرط أن نشرب القهوة في مويس ويُطلق سراحنا بعد ذلك، في الديوان الذي استضاف البشير والصادق المهدي وحميدتي والميرغني والفريق بكري وكل زائر لشندي، من لم يجلس في صالون مصلح نصار يُعيد زيارته لشندي مرة أخرى.

الرشايدة كرماء، نجباء، أصلاء، شجعان، يزرعون  ويرعون ويعرفون أسرار الصحراء والأودية والبحر، لا يهابون مَشَقّة الدُّروب الوعرة، يُساهمون في اقتصاد بلادهم  بتجارة حرة ولكنهم مظلومون إعلامياً، تعرّضت صورتهم  لتشوُّهات.. لكنهم أهل فطنة ومواقف مبدئية، شجعان في النزال عندما التحقوا بقوات المُعارضة في تسعينات القرن الماضي، أقلقوا مضاجع الخرطوم حتى بحثت عنهم في إريتريا وجُزر أرخبيل البحر وفي تلكوك ووقر، ووقّعت مع زعيمهم مبارك مبروك سليم اتفاقاً أنهى النزاع وأعاد  للشرق استقراراً يبحث عنه طويلاً.

في صالون مصلح بمويس، حدّثنا أهله وعشيرته عن تاريخ وجودهم بتلك الديار وتَعايُشهم مع الجميع وإسهامهم في كل مشروعات العون الذاتي والنفير، ولم تقعدهم عن مدينتهم شندي مقعداً، ولكنهم يجأرون الشكوى من بعض  مُوظّفي المحلية الطامعين في الميدان الوحيد لكرة القدم كساحة يلعب في أطرافها الصغار، ولكن مُوظّفي المحلية  وبالتحالُف مع بعض أصحاب المصالح يُريدون بذر   الخلاف بين مُكوِّنات مويس بمُحاولة تقسيم الساحة  الرياضية لتصبح أراضٍ سكنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى