(2013) بداية الشرارة عندما قالت الجماهير (الشعب يريد إسقاط النظام)

المشهد قبل أبريل.. كل الطرق تؤدي للتغيير

 

 

 

الخرطوم- صلاح مختار

لم يكن أكثر المتشائمين وأقل المتفائلين بشأن حدوث تغيير بالبلاد، لم يكن ليظن أن السيناريو سيكون بهذا الشكل من السلاسة, ربما هذا ما أدهش الأعداء قبل الأصدقاء بأن الثورة السودانية نجحت في تغيير نظام جثم أكثر من (30) عاماً على صدر البلاد، فأعتقد البعض منهم أنها باقية إلى ما لا نهاية.. ولكن هي سنة الله الذي يؤتي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء, فكانت حالة النزع التي أطاحت بحكم الإنقاذ لتبدأ مرحلة جديدة من الثورة شعاراتها (حرية.. سلام وعدالة).

(الصيحة) تتبّعت تلك المراحل التي قادت إلى تغيير النظام في السادس من أبريل، عندما اقتحمت الجماهير المتاريس لتصل إلى مبنى القيادة العامة ليبدأ فصل جديد من التغيير.. أبلغ ما وُصف بها الثورة أنها تختلف عن سابقاتها، لانطلاقها من الأقاليم بدلاً من العاصمة الخرطوم، والسُّرعة الخاطفة لانتشارها في أرجاء البلاد.

بداية الشرارة

صحيحٌ هناك نضال كثير تراه بعض القوى السياسية التي شَكّلت العمود الفقري للحراك، ولكن هنالك من يُؤرِّخ لها منذ عام (2013)، حيث كانت بداية الشرارة عندما فاجأ الشارع السوداني، الحكومة بتظاهرات في العاصمة وبعض المُدن، لتخرج المئات من المُحتجين في تظاهرات، دعا لها ناشطون احتجاجاً على قرار الحكومة لرفع الدعم عن المحروقات، وما وصفوه بقمع الاحتجاجات التي وقعت خلالها وسقط فيها قتلى وجرحى. وهتف متظاهرون شاركوا في مسيرة مناهضة للحكومة وردّدوا هتافات (الشعب يريد إسقاط النظام).. تلك كانت بداية الشرارة التي ألهبت الجماهير بالاستمرار فيها.. في ذلك الوقت استبق رئيس النظام البائد البشير، تنفيذ قرار رفع الدعم عن المحروقات بعقد مؤتمر صحفي، دافع فيه عن الإجراءات الاقتصادية الجديدة، وقال (أصبح حجم دعم المواد البترولية يُشكِّل خطورة كبيرة جداً على الاقتصاد)، وتعهّد بتنفيذ مُعالجات تستفيد منها الشرائح الفقيرة من خلال تقديم الدعم المباشر لها.

مُشاركة قطاعات

لم تكن تلك المُعالجات إلا بداية لسلسلة من الاحتجاجات التي بدأت تستشري في جسد الدولة كما تستشري النار في الهشيم، تضاعفت مع الأزمة الاقتصادية التي بدأت تلوح في الأفق، وبدأت قطاعات حيّة في المجتمع تتضامن مع التظاهرات، في ذلك الوقت بدأ الحديث جهراً والمطالبة برحيل البشير من قبل الجماهير المُحتجة ومن قطاعات الطلاب والفنانين على سبيل المثال.

توفير الحرية

تواصلت عملية الاحتجاجات، وفي مارس 2014، أطلقت القوات الأمنية قنابل الغاز المُسيّل للدموع لتفريق تظاهرة نظّمها العشرات من المُتظاهرين المُعارضين للحكومة في الخرطوم.. وردّد المتظاهرون شعارات تُطالب بتوفير الحرية والعدالة.. وتعد هذه التظاهرة الثانية التي ينظمها المناهضون للحكومة خلال أسبوع في نفس الشهر. وشهدت موجة الاحتجاجات مقتل طالب في اشتباكات بين قوات الأمن ومحتجين. وتناقلت التقارير مقتل أكثر من (170) شخصاً بينهم أطفال، ما بين سبتمبر 2013 وحتى أبريل 2014، وذلك أثناء تعامل حكومة الإنقاذ مع الاحتجاجات، مع إصابة المئات واعتقالهم واحتجازهم، والبعض لأسابيع وأشهر.

تمدُّد التظاهرات

لم يتوقّف تمدُّد التظاهرات الجماهيرية التي بدأت قبل خمسة أعوام، حيث شهدت بداية 2016 اندلاع تظاهرات، شاركت فيها المئات وتجمعت وسط الخرطوم في احتجاجات لليوم الثاني على مقتل طالب خلال تظاهرة داخل حرم جامعة أم درمان الأهلية، وهتف المُحتجون ضد نظام الحكم ومن بين الشعارات التي رُدِّدت “مقتل طالب مقتل أمة.. يسقط حكم العسكر”.

ويأتي مقتل الصادق بعد أسبوع من مقتل طالب آخر في جامعة كردفان بمدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان.

وفي أبريل من نفس العام، قُتل طالب خلال اشتباكات نشبت مع القوات الأمنية ومحتجين في إحدى الجامعات.
وفي نوفمبر، استخدمت شرطة مكافحة الشغب السودانية، الغاز المُسيّل للدموع ضد مُتظاهرين، بينهم محامون وصحفيون بعد تنظيم تظاهرات احتجاجاً على قرار الحكومة بزيادة أسعار الوقود.

إجراءات احترازية

وفى خطوة تهدف إلى منع تكرار ذلك، استدعت السلطات السودانية خلال ذلك الوقت أكثر من 10 أشخاص من زعماء المعارضة، مُحذِّرةً إيّاهم من أي تحرُّكات احتجاجية. كما حُوكم عدد من المتظاهرين بعد اتّهامهم بتنظيم تجمعات في العاصمة. وصادرت أجهزة الأمن السودانية أوائل الشهر الجاري ثلاث صحف بعد أيام من نشر مقالات عن زيادة أسعار الوقود، كما أمرت السُّلطات السودانية بتعليق بث قناة “أم درمان” التلفزيونية الخاصة، مُتّهمةً إيّاها بالعمل بلا ترخيص، ونظّمت مجموعة من الصحفيين تظاهرة احتجاجية وسط الخرطوم، وأعرب الصحفيون عن قلقهم من الحملة ضد وسائل الإعلام.

تدهُور العُملة!

وتعود الأزمة التي يُواجهها النظام إلى سلسلة من الإجراءات بدأت في نهاية عام 2017 بعد إصدار أول ميزانية لما سمي بـ(حكومة الوفاق الوطني) التي رأسها نائب الرئيس، الفريق أول بكري حسن صالح.. وما أن أُعلِنت الميزانية حتى بدأت قيمة العُملة تتدهور بسرعة. ولم يساعد القرار الأمريكي رفعَ معظم العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على السودان، مطلع عام 2017، في تحسين الأوضاع. وكانت ردة فعل الحكومة اتّخاذ إجراءات صارمة للحد من المَعروض النقدي في الأسواق فيما ازدادت حدة التوتر بعد نُدرة دقيق الخبز والسيولة النقدية.

شعار الثورة

وفي ديسمبر 2018، خرجت تظاهرات في عدة مناطق سودانية بعد صلاة الجمعة، طالب فيها متظاهرون برحيل النظام، فَضْلاً عن مُطالبات بتحسين الظروف المعيشية.

وشهدت الخرطوم وغيرها من المدن احتجاجات منذ 19 ديسمبر من نفس العام، عقب قرار الحكومة برفع أسعار الخبز، وهتف المتظاهرون (حرية.. سلام وعدالة) لأول مرة تعبيراً عن مرتكزات الثورة التي تقوم عليها لدى خروجهم من مسجد أم درمان، وكانت المعارضة دعت إلى مُواصلة الاحتجاجات، في الوقت الذي اجتمعت فيه عدة أحزاب من المُعارضة، حيث اتّفقت على الدعوة إلى مزيدٍ من التظاهرات خلال الأيام المُقبلة.

ارتفاع القتلى

تواصلت عمليات القمع التي تقوم بها الحكومة في نفس العام لإغماد جذوة الثورة، وأعلنت في ذلك الوقت حصيلة جديدة بأنّ 19 شخصاً قُتلوا، بينهم اثنان من قوات الأمن، أثناء الاحتجاجات على رفع سعر الخبز، التي انطلقت في بلدات وقُرى عدة قبل أن تصل إلى الخرطوم. وأضافت: “مع دخول اليوم العاشر للاحتجاجات، نرى أنّ أعداد المتظاهرين، ليست هي التي رأيناها في الأيام الخمسة الأولى للاحتجاجات، في الخرطوم وغيرها”.

تجمُّع المهنيين

حتى ذلك الوقت لم يتّضح للحكومة أو لكثير من المُراقبين من يقف وراء تلك التظاهرات، ولكن مع تمدُّد التّظاهرات واتّساع رقعتها، حاول (تجمُّع النقابات المهنية)، الذي أعلن عن قيامه بعد اندلاع الاحتجاجات ويشمل (الأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين وأساتذة الجامعات والصحفيين وغيرهم)، بتنظيم مسيرة إلى القصر الجمهوري.
في 25 ديسمبر 2018، دعا قوى المعارضة والنشطاء للتنسيق بينهم لإنجاح التظاهرات، فيما قال بيان قوى الإجماع: “إيماناً منا بحتمية إسقاط النظام، ووفاءً لدماء شهداء الانتفاضة الشعبية، تدعو قوى الإجماع الوطني جماهير شعبنا في العاصمة والولايات للتظاهر في كل المدن والأحياء، تحت عنوان جمعة الوفاء لدماء الشهداء”.

ذروة الثورة

بلغت ذروة الاحتجاجات عام 2019، وبدأ الحراك في المدن والدعوة للعصيان للمرة الثانية وتفاعلت معها قطاعات كثيرة، وقبل مطلع أبريل بدأ رئيس النظام، البشير يشعر بأن الأرض تتحرّك من تحته، وبدأ يقر بمطالب المُحتجين هو يخطب في البرلمان، حيث اشار الى أنّ التظاهرات التي شهدتها شوارع البلاد مؤخراً تحمل مطالب مشروعة، لكن عدداً منها أحدث خللاً في النظام العام.. في نفس الوقت أطلقت المرحلة الثانية من الحوار بين مكونات البلاد وفق ما سماه التوجُّه نحو التغيير.. وعلى الرغم من إعلان البشير لحالة الطوارئ في البلاد وتعيين حكومة جديدة، لم يتراجع زخم الاحتجاجات في شوارع البلاد.. في وقت أعلن حزب المؤتمر الوطني المحلول أن المؤتمر العام المقبل للحزب سيختار رئيساً جديداً له، في خطوة لامتصاص غضب الشارع!

امتصاص الغضب

وفي خطوة وُصفت بأنها محاولة لامتصاص غضب الشارع، بجانب المطالبات الكثيرة داخل الحزب، بدأ البشير في الدفع باستقالته من الحزب بداية عام 2019، بيد ان مكتبه القيادي قال إنه لن ينظر في استقالة مقدمة من البشير، مرجحاً أن يجمد الرئيس رئاسته للمؤتمر الوطني في هذه المرحلة، موضحاً أن ذلك لا يعني أنه ليس عضواً بالحزب. وشهد الحزب في ذلك الوقت مُحاولات كثيرة للترميم ووضع المساحيق التي تبدو للآخرين بأن هنالك تغييراً وتم الكشف عن أن “البشير لم يشاور الحزب في مسألة اختيار رئيس الوزراء والنائب الأول، ولم يتم عرض الأمر في المكتب القيادي”، مُعتبراً أن في ذلك “علامات تدل على أن البشير بات يعامل حزب المؤتمر الوطني مثلما يعامل الآخرين”.

مطالب بالتنحي

بيد أنّ آلاف الأشخاص شاركوا في مسيرات منفصلة ومختلفة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، خاصة وأن الأوضاع بدأت تنفلت من بين أيدي الحكومة البائدة وتمثلت في عدم قدرتها في السيطرة على حركة الاحتجاجات وتوسع نطاقها، وبلغت ذروة تلك التظاهرات في أبريل، حيث فشل أكثر من مرة وصول المتظاهرين إلى مقر القيادة، ولكن بدأت خطة الثوار تتجه من القصر إلى مقر القيادة باتجاه وزارة الدفاع ومقر إقامة الرئيس عمر البشير. وتحوّلت خلال العام الأخير من 2018 إلى 2019 مَطالب المُتظاهرين بإسقاط النظام وشَهدت أحياء واسعة من العَاصمة الخرطوم وعدد من الولايات السُّودانية، خُرُوج الآلاف من المتظاهرين. وتركّزت الحُشُود بشكلٍ أكبر في شارع القيادة العامة، وقال التجمُّع إنّه سيسلم مُذكِّرة للجيش تُطالب برحيل النظام.

تزييف الصُّورة

ورغم حالة الطوارئ التي أعلنها النظام، إلا أن التظاهرات خرجت من عدة مناطق بالخرطوم والولايات ونُظِّمت بجانب ذلك وقفات في الخرطوم للمطالبة بتنحي الرئيس البشير، وشهدت جامعات سودانية تظاهرات تنديداً بقمع تعرّض له طلاب بعد اقتحام جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، فيما نشر ناشطون تسجيلات تظهر استخدام الأمن للغاز المُسيّل للدموع لتفريق تظاهرة خرجت في منطقة السوق العربي بالخرطوم. وكان تجمُّع “المهنيين السودانيين” أعلن عن تنظيم تظاهرات جديدة “الاثنين” ستتّجه إلى القصر الجمهوري رداً على ما جاء في خطاب البشير الأخير. وعن قرارات البشير الأخيرة، قال التجمع في بيانٍ نشره على صفحته بـ”فيسبوك”، إن “محاولة رأس النظام تزييف مطالب الثورة بإجراء تغييرات قشرية على شكل النظام مع احتفاظه هو بمنصبه لن تزيدنا إلا إصراراً على إسقاط النظام وتنحي رئيسه”. وأضاف البيان: “لسنا معنيين بالعمليات التجميلية الشائهة لوجه النظام القبيح، بل هدفنا الحق العادل هو دكه بالكامل وإزالته عن السُّلطة”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى