قيس والقروي!!

قد  يأتي  أحدهما  حاكماً من شعب  تونس لقصر قرطاج  بعد تصدرهما قائمة  المرشحين للرئاسة وفشلهما  في نيل نسبة الخمسين بالمائة  التي تؤهل من يحصل عليها دخول  قصر قرطاج بحر إرادة شعب عزيز ودولة  محترمة ذات تاريخ تليد وحاضر مشرق ومستقبل  في رحم الغيب.  

حصد  الشعب  التونسي  ثمار ثورة  الياسمين التي  أطاحت برجل حكم  تونس بالنار والحديد،  ومات أمس الأول في المملكة  العربية السعودية، ولم يبكه حتى  حراسه القدامى فغاب زين العابدين  بن علي وأشرقت شمس تونس بتقدم المرشح  المستقل قيس بن سعيد، وجاء من بعده نبيل  القروي رجل الأعمال الذي ظل في غياهب السجون، ولكنه  نافس الطلقاء وتجاوزت الأصوات التي حصل عليها أصوات المفكر  والعالم الإسلامي عبد الفتاح مورو نائب رئيس المجلس النيابي والقيادي  في حركة النهضة التونسية.  

في الأسبوعين  القادمين يعود  الشعب التونسي مرة  أخرى لصناديق الاقتراع  ليختار ما بين قيس سعيد  الأستاذ الجامعي ورجل الأعمال  نبيل القروي، وإذا كان نبيل قد  حقق هذا الاختراق الكبير في الأصوات  وهو حبيس بين جدران السجن، فإن سمعته  وسط الشعب التونسي كنصير للفقراء والمساكين  وصاحب استثمارات وشركات كبيرة جعلته محط أنظار  الشعب الذي أبدى تعاطفاً معه مجرد أن تم وضعه في السجن  متهماً بتبييض الأموال، وهي جريمة عقوبتها السجن ١٠ سنوات  حسب القانون التونسي  

إذا  كانت العاطفة  قد دفعت مجموعات عريضة  من أهل أرض الزيتون للوقوف  مع نبيل القروي فالواقعية قد  جعلت الملايين يساندون قيس بن سعيد  المرشح المستقل مثله ومنافسه القروي،  ولكن قيس بن سعيد يمثل التيار المحافظ  في النخب التونسية بل يعتبره البعض أكثر  محافظة من مرشحي حركة النهضة التي أرغمتها  ظروف الاستهداف إلى تقديم تنازلات (المضطر ) لتبقى  علي قيد الحياة أو تتمترس وراء بعض مواقفها فيجرفها  التيار العلماني بعنفوانه قبل أن يتراجع اليسار التونسي  إلى المرتبة الأخيرة في الانتخابات وقيس بن سعيد هو من وقف  مبدئياً برفضه لأي تشريع وضعي يتعارض مع نص قطعي في الكتاب  والسنة، وهذا الموقف يلغم تيار ودعاة تبديل قانون مساواة المرأة  والرجل في الميراث، وحق الطلاق ونزع العصمة من الرجل ورفض قيس قانون  المثلية، واعتمد في خطابه السياسي على المؤسسية الدستورية والتعويل على دور  الموسسات التشريعية في الدولة والانتقال من الدولة المركزية إلى الدولة اللامركزية.  

ورفض  المساعدات  المالية التي جاءت  إليه بعد إعلان تقدمه واعتمد  على تلاميذه في الجامعات التونسية  العديدة التي تنقل بين كلياتها كأستاذ  للقانون ولكن قيس سيواجه في مرحلة الانتخابات  المعادة منافساً صعب المراس هو نبيل القروي الذي  يشعر كثير من الناس بأنه ضحية ظالمين وخير من عبر عن ذلك  وزير خارجية ليبيا الأسبق المفكر عبد الرحمن شلقم حينما قال  إن كثيراً من عامة الناس يعتبرون نبيل القروي ضحية مثلهم، وإن اختلفت  الأسباب مما حوله إلى ضحية استدارت حوله حلقة تراجيدية تضمه إلى ملايين المظلومين الذين  يطمحون لأن يكون مفتاح قصر قرطاج من حديد قضبان الظلم يا لها من عبارة بليغة من دبلوماسي  رشيد وفي خطوة مفاجئة أعلنت حركة النهضة التونسية على لسان الشيخ راشد الغنوشي أمس السبت دعمها  في الانتخابات الدور الثاني لقيس سعيد وهو موقف يتسق مع توجهات الرجل المحافظة، والنهضة أدركت مبكراً  بفلسفتها بأنها لا تستطيع حكم تونس لوحدها واعتمدت على الرؤى الفلسفية العميقة ومدرسة التأمل التي قادتها  من نجاح إلى نجاح.  

وكم  كان الإسلاميون  في السودان تعوزهم  بصيرة وفلسفة الغنوشي  عندما اختارت لهم قيادتهم  أو أقدارهم عقد تحالفات غير  متكافئة مع العسكر فرموا بمشروعهم  في لجة دكتاتورية ذهبت في نهاية المطاف  إلي السجن وتركتهم حيرى من أين تبدأ رحلة العودة  الصعبة.  

مدرسة  راشد الغنوشي  الفلسفية أخرجت تونس  من لجة الصراع الدامي  الى فضاء الحرية التي تعيشها  الخضراء بينما أغلب بلدان العرب  إما تئن من وطأة أحذية العسكر أو  تتنفس تحت عباءة الشيوخ والملوك ولا تملك  حق العطس بحرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى