الخبير القانوني د. عبد الوهاب محمد الحسن لـ(الصيحة) (1-2)

ليس هناك ما يُسمى شرعية من الشارع أو الشعب

كثرة المطالبة بحكومة مدنية من أكثر الأشياء التي أزعجتني

المجلس العسكري اكتسب شرعيته (المؤقتة) من إزالته لنظام (الإنقاذ)

الأصل ألا يتولى السلطة إلا رئيس منتخب أو جهة منتخبة

لا يحوّل أي اتفاق ثنائي الباطل إلى حق وما بُني على باطل فهو باطل

ما كان للمجلس العسكري تعطيل العمل بالدستور الانتقالي

حاوره: صلاح مختار

تصوير: محمد نور محكر

تناولت الوسائط، أن مجموعة من القانونيين قدموا مذكرة للمجلس العسكري طالبت فيه وقف التفاوض الثنائي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، على أن يشمل التفاوض كل مكونات الشعب السوداني, ورغم أن الدعوة تعبر عن فئة معينة، إلا ان المطالبة بشمولية التفاوض حول ترتيبات الفترة الانتقالية كانت من كل القوى السياسية، ويبدو أن تلك القوى استشعرت خطورة انفراد فئة معينة بعملية تشكيل الواقع السياسي في المستقبل, لذا بدأت في الضغط على المجلس العسكري وإظهار وجودها على أرض الواقع، لتقول: نحن هنا، ولابد أن تشملها الترتيبات الأمنية.

ولكن في منحى قانوني، يرى الخبير القانوني د. عبد الوهاب محمد الحسن في حوار مع (الصيحة)، أن الحق في إدارة الشأن الداخلي للدولة، لابد أن يكون عن طريق صناديق الاقتراع، وقال: ليس هناك أي حق قانوني سوى الحق الذي تمنحه الانتخابات، وفي متن الحوار نجد أن الخبير القانوني لديه رأي واضح حول الاعتصام والعصيان والمتاريس وغيرها من الأدوار الخاصة بالمجلس العسكري، فماذا قال في الحوار..؟

*قدمتم مذكرة للمجلس العسكري الانتقالي طالبتم فيها بوقف التفاوض الثنائي هل هذا صحيح؟

– رؤيتنا أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تعطي حقوقاً متساوية لكل المواطنين في المشاركة في الشأن العام، لدينا المادة (25) من العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية واضحة جداً، أولاً كل المواطنين عندهم الحق في المشاركة في الشأن العام، ويقصد به الحكم والإدارة، الفقرة الثانية في المادة مكونة من ثلاث فقرات، الأولى تكلمت عن المشاركة، والثانية تحدثت عن كيف تكون المشاركة، المواطن يكون له الحق أن ينتخب، وأن تولي الشان العام لا يكون إلا عن طريق الاقتراع أو الحصول على التفويض الشعبي أو الاقتراع السري، حتى تكون هنالك شفافية أو نزاهة في اختيار الممثلين الشرعيين في إدارة شئون البلاد.

*إذاً لم تطالبوا بوقف التفاوض الثنائي؟

– لا نقول يوقفون التفاوض مع أي جهة من الجهات، بالعكس نقول أن يفتحوا التفاوض مع الجميع، لأن لديهم الحق المكفول بالمعاهدات الدولية، لكن الأصل ألا يتولى السلطة إلا منتخب أو جهة منتخبة بالذات المجلس التشريعي.

الآن لدينا وضع انتقالي أو استثنائي، لدينا المجلس العسكري الانتقالي الذي أزاح نظام الإنقاذ.

*مقاطعاً.. إلى أي مدى شرعية المجلس العسكري؟

–  المجلس العسكري أزاح سلطة الإنقاذ، والإنقاذ جاءت إلى السلطة بانقلاب عسكري، وأزاحت سلطة منتخبة قانونياً ودستورياً، بالتالي تعتبر سلطة غير شرعية.

*ألا تمنح الانتخابات التي  نظمت الثلاثين عاماً الماضية شرعية للإنقاذ؟

– لا يحوّل الباطل إلى حق، وما بُني على باطل فهو باطل، هي سلطة تجميلية ديكورية لا تغير من الحقيقة، كذلك هناك هيمنة نفس الفئة التي قامت بالانقلاب لم يحصل أي تغيير، بمعنى ليس هناك تبادل للسلطة، لأن السلطة ظلت في يد تلك الجماعة التي قامت بالانقلاب بأشكال مختلفة. وهناك نقطة في غاية الأهمية، الجوانب الخاصة بالحشد الشعبي والجوانب القائمة على الثورية تتحدث بعبارات فيها جانب كبير من الجانب الحماسي ولكن ليس لدينا في الاتفاقيات الدولية سلطة مدنية ولا سلطة عسكرية، وانما عندنا سلطة منتخبة فقط.

*إذاً هناك فهم خاطئ للسلطة المدنية؟

– من أكثر الأشياء التي أزعجتني كثرة المطالبة بحكومة مدنية،  وفهمي للمدنية للذين يرفعون هذا الشعار من الجانب الثوري أنهم يضعونها في مقابل العسكرية، أعتقد ذلك بمعنى أن المفروض الذين يحكمون هم المدنيون وليس العسكريون.

*هل المقصود بها الحكم الديمقراطي؟

– ليس لدينا مدنية، وكلمة مدنية الذي يحكم هو الشخص المنتخب مدنياً أو عسكرياً. لدينا ثلاثة أشهر عسكريون حكموا في العالم منتخبون منهم جورج واشنطن مؤسس الولايات المتحدة الأمريكية كان جنرالاً، كذلك الجنرال أيزنهاور فاز في أول انتخابات في أمريكا، شارل ديغول كان قائد المقاومة الفرنسية، هو جنرال بعد انتهاء الحرب انتُخب، كلهم جنرالات عسكريتهم لم تمنعهم من الفوز في الانتخابات, ولكن لم يصبحوا رؤساء بصفتهم العسكرية وإنما بصفتهم الانتخابية، ولذلك أقول بصفتهم منتخبين وليس مدنية أو عسكرية. كذلك صدام حسين درس القانون بجامعة القاهرة، ورغم ذلك كان رئيساً “دكتاتور مدني” بشار الأسد طبيب مدني، ولكنه دكتاتور.

*هل يمكننا وضع المدنية في مواجهة العسكرية؟

– العسكرية ليست معياراً للدكتاتورية، ويمكن أن يكون المدني دكتاتوراً، عكس ذلك، يمكن أن يكون عسكرياً ديمقراطياً ومنتخباً.

 إذاً الحديث عن مدني مقابل عسكري، هذا معيار خاطئ. الشخص المنتخب هو المعيار الصحيح والمقبول على مستوى العالم كله، إلا يحكم إلا منتخب، بالتالي لا يجب أن  نضع مدنية في مقابل عسكرية.

*إذاً الفهم للحكومة المدنية خاطئ؟

– خاطئ بنسبة مائة في المائة، ويفترض الناس تصحح هذا المفهوم بأن السلطة لا يتقلدها إلا منتخب. وتتحمل قوى الحرية والتغيير مسؤولية شحن الناس بشعارات مضللة، وفي النهاية الفهم الذي يتبادر إلى ذهني أنك لا تريد أن تأتي بالانتخاب. حتى نكون منصفين، نطالب بانتخابات حرة نزيهة شفافة، ونريد ضمانات تحقق ذلك، وهو الذي يخرج السودان من الحفرة.

*ولكن لماذا المشكلة الآن في السيادة؟

– السيادة عند المجلس العسكري لأنهم اقتلعوا النظام السابق, واكتسب شرعيته، لأنه أزال الخطأ، وهي شرعية مؤقتة، وليست للأبد، وإذا قال إنه يريد أن يجلس مكان النظام السابق يصبح بالتالي هو حكم انقلابي, لذلك كانوا أذكياء جداً في بيانهم الأول أنهم قرروا استلام السلطة لفترة انتقالية أقصاها عامين لتسليمها لسلطة مدنية منتخبة وهذا أحسن حاجة كانوا حريصين عليها.

*الآن هناك جدل حول هذه الفترة؟

–  الآن نحن نتحدث عن فترة انتقالية، المجلس العسكري أزاح سلطة انقلابية، ولكنه ما قال إنه يريد البقاء وإلا سمي بسلطة انقلابية، وبالتالي المشروعية تكررت للمرة الثانية، والإشكالية أنها أزالت سلطة غير شرعية، فإذا سلمتها لسلطة غير منتخبة يكون سلمتها لسلطة غير شرعية، بالتالي المجلس العسكري في مأزق، وحل ذلك بأسرع ما يمكن أن يجري انتخابات، ويسلم السلطة إلى جهة منتخبة في انتخابات نزيهة وشفافة، وذلك بأن تجري الانتخابات تحت إشراف دولي كامل، بحيث أي طرف من الأطراف لا يطعن في نزاهتها أو شفافيتها.

*خلال الفترة الانتقالية ما هو دور المجلس؟

– هذه خلال الفترة ما بين قيام  تسلم المجلس العسكري للسلطة، وتسليمها لسلطة منتخبة، هناك وقت يحتاج أن تدار فيه البلاد بطريقة الوصول إلى سلطة منتخبة بسلمية.

*فيم تتمثل قانونية الفترة الانتقالية وكيف؟

– قانونية الفترة الانتقالية تتمثل في إزالة المجلس العسكري لسلطة غير شرعية (الإنقاذ)، فاكتسب مشروعيته، لأنه صحح الوضع القائم، حتى يستمر هذا الوضع، المجلس العسكري يجب أن يكون همه الأساسي تسيير شؤون البلاد بالتعاون مع الجميع للمشاركة في إدارة كل البلاد، وبالتالي لا نقول لا يكون هناك تفاوض مع قوى الحرية أو غيرها، وإنما نقول مفتوح مع الجميع وإذا لم تمنح هذا الحق للجميع يكون أنت أخللت بالالتزام الدولي الموقع عليه. نحن نريد أن تسير الأمور في هذا الإطار أن تحترم القانون والاتفاقيات الدولية.

*أليس من حق المجلس التفاوض مع من يراه حقيقة أنه يمثل الشعب؟

– صحيح، المجلس العسكري عطل الدستور، ولكنه أكد على الالتزام بالاتفاقيات الدولية منها اتفاقيات حقوق الإنسان، في نفس الوقت أبقى على المحكمة الدستورية التي بها اتفاقيات حقوق الإنسان كمرجع، وهي تفتح باب الطعون إذا المجلس أغلق نفسه على ناس الحرية والتغيير أو أتى بآخرين يتفاوض معهم، وبالتالي تصبح المسألة واحدة، يجب أن تفتح الباب للجميع وإشراك كل الناس وشاورهم في إدارة الفترة الانتقالية. وأنا أعتقد أن ينصب التفاوض في الخطة التنفيذية فقط لماذا، لأنه أنت ليس لديك تشريع أصلاً خلال الفترة الانتقالية لعدم وجود منتخبين.

*رغم أن البعض يريد أن يستند على دستور 2005؟

– هو أفضل، ولكن رأينا أن المجلس العسكري ما كان له أن يعطل العمل بالدستور، يعطل فقط الأحكام الخاصة بالسلطة التي أزالها، مثل رئيس الجمهورية، المجلس الوطني، ووالولايات، إلى جانب السلطات التي تؤول إليه مؤقتاً إلى حين قيام الانتخابات، في رأينا كان ينبغي أن يبقي على الدستور ليس تحفظاً على الفقرات، لأنه أحسن دستور في السودان، توافقت عليه كل القوى السياسية، بما فيها الحركة الشعبية، وكثير من المعارضة شاركت في الحكومة بهذا الدستور، هو أفضل دستور يمكن المجلس العسكري ويعطيه آليات للحركة ويصدر مراسيم موجودة في الدستور.

*هناك مأزق بين قوى الحرية والتغيير التي منحت لنفسها الحق في التعبير نيابة عن الثورة، وبين تمسك العسكري بفتح باب التفاوض مع الجميع، في أي سياق قانوني نضع ذلك؟

– قوى الحرية والتغيير تقول عن نفسها ما تقول، لكن المعيار والميزان يكون في صندوق الانتخابات.

*ولكن األيست الشرعية تستمد من الشارع؟

–  ليس هناك ما يسمى باكتساب شرعية من الشارع أو الشعب بالقانون .. الشرعية من احترام المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وهذه ملزمة بها كدولة سودانية، بصرف النظر عن الحاكم من هو، أي شخص يمثل السلطة السياسية في السودان ملزم بالاتفاقيات الدولية والدولة السودانية، القانون الدولي له ثلاثة أركان إذا توفرت أصبحت عضواً في المجتمع الدولي، وهي سكان وأقليم وسلطة سياسية ذات سيادة لا تخضع لأي نوع من السلطة الخارجية تهيمن عليها.

*ما الذي يؤطر ذلك لتصبح ملزمة قانوناً؟

– الجانب القانوني يضبط العمل السياسي ويؤطره حتى لا ينحرف عن الهدف، وبالتالي في النهاية لابد من الذهاب إلى صناديق الانتخابات والاقتراع، وهي المشكلة لأن الإنقاذ تخلت عن فكرة صناديق الاقتراع بدعوى أن الحكومة السابقة فشلت ولن تستطيع إدارة البلاد، ولكن الحل الصحيح كان يمكن الرجوع إلى الناخبين، وهو الحل وبالتالي أي حل آخر يدخل الناس في جانب العنف بالتالي الانتخاب هو الحل الوحيد أن تأتي بسلطة سلمية.

*التخوف من مسألة الاقتراع تدفع ببعض القوى للجو إلى قوة الثورة أو الشارع وأنت تقول ليست لها شرعية؟

هذا سؤال يطرح لرجل سياسي وليس قانونياً.

*ولكن في إطار القانون وحقوق الإنسان أليس اكتساب الشرعية بهذا الشكل فيه إقصاء لآخرين؟

– أرى من خلال التجارب السياسية في السودان مفروض الناس تستفيد من الدروس والعبر مثل أكتوبر 64 وأبريل 85 هناك حلول ارتضاها الشعب في ذلك الوقت، وفي الحالتين كان هنالك مجلس عسكري أعتقد أقرب التجارب هي تجربة المشير سوار الذهب، وهي كانت تجربة ناجحة معظم الذين أداروا الفترة الانتقالية كانوا مركزين على جانب الكفاءة والنزاهة والإدارة أكثر من انحياز لطرف من الأطراف، لكن أفضل الإدارة التنفيذية خلال الفترة الانتقالية تكون من التكونقراط، شخصيات ليست لديها توجهات حزبية, وأكثر من ذلك بعد الفترة الانتقالية يلتزمون بعدم الخوض في أي لائحة في الانتخابات المقبلة. أعتقد أن تجربة أبريل 85 جديرة بالأخذ في الاعتبار لادارة البلاد من الناحية التنفيذية، أما من الناحية التشريعية لا أعتقد أن يكون هنالك مجلس تشريعي خلال الفترة الانتقالية، لأنها تتحدث أن التشريع لا يكون من جهة منتخبة، لأنه لا يمكن أن تصدر أو تعدل قانونا جديداً إلا من جهة منتخبة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى