ثم ماذا بعد..؟

كان المأمول أن يتم اتفاقٌ بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية خاصة بعد أن تسلّم المجلس العسكري مقترحات المبادرة الأفريقية الأثيوبية المُدمَجة وردّه عليها، لتبدأ جولة تفاوُضية نهائية تُنهي التجاذُب وتقود إلى تفاهم وتوافُق إذا قُبِلت المُبادرة من الطرفين، لكن بات واضحاً أن حملة التصعيد التي بدأت بالأمس من خلال التظاهُرات المُتفرّقة في بعض أجزاء العاصمة وربما بعض الولايات، ولغة الخطاب السياسي والإعلامي للحرية والتغيير ضد المجلس العسكري، ستضع علاقة الجانبين كشركاء مُحتَملين على سطح صفيح ساخن أو بالأحرى على كفّ عفريت من الجن مخبول، فمن الصعب أن يقبل المجلس هذه المجموعة شريكاً له في الفترة الانتقالية، وليس من السهل بل من العسير جدًا أن تَبتلِع الحرية والتغيير كل قاموسها الهجومي ضد المجلس وتتجاوز لغتها الحادة في وجهه وتعبئتها ضد العسكريين، وتأتي لتتَّفِق في النهاية مع المجلس العسكري وتُصبِح الشريك الذي لا غِنى عنه ..!

قد ينشأ بتظاهرات أمس واقعٌ جديد، فالخروج إلى الشارع لم يؤدّ غرضه، ولَم يُحقّق أهدافَه، كان مطلوباً لذاته كوسيلة ضغط على المجلس، لكن الأمور فاقت حدودها المقبولة من ناحية ومهما كان صبرُ المجلس العسكري، فإنه سيضيق ذرعاً من هذا الشريك المُحتَمل غير المُناسِب الذي يُمارس السياسة بطريقة فجّة وسمجة لا تمُتُّ إلى دنيا السياسة ورشد تعامُلاتها، والشيء الثاني أن قوى الحرية والتغيير تقع في ذات الأخطاء التي صاحَبَت مسيرتها، فهي ترفع من سقف التطلُّعات والآمال والمطالب، ولسان حالها يصوّر لقاعدتها الشعبية وقائع مُفترَضة مُتخيَّلة تتوهَّم سقوط المجلس العسكري وكل أجهزة ومؤسسات الدولة بمجرد نزول البعض إلى الشوارع

من الخطأ بمكان، أن يُقدِم قادة سياسيون على شحن جماهيرهم بأكثر مما يجب، ولا يدرون ما هي الوسيلة التي يُقدّمون بها تبريرات حول عدم تحقُّق الوعود وبلوغ هذا السقف العالي من الطموح والتطلّع، فهناك مأزق حقيقي ينوء بكلكله على قوى الحرية والتغيير، وسيؤدي حتماً إلى عواقب وخيمة لا فكاك منها، فالقواعد الجماهيرية المتناقِصة والضامِرة يوم أمس، سيغمرها الإحباط ويطمرها الأمل المفقود في حدوث ما وعدت به قيادتها، وستشعر في أقرب وقت أو بدأت تشعر بالفعل أن مَن يقودونهم ويتحدّثون  ويتفاوضون باسمهم قادوهم إلى طريق مسدود وإلى خيارات ذات كلفة عالية هي كلفة النزول إلى الشارع والمواجهة وبدء العمل الثوري من جديد ..

إذا كانت السياسة هي فن المُمكِن، فقد دلّت التجربة العملية ومن خلال ما يجري من منازعة مع المجلس العسكري واستسهال إثارة الغبار والمشاكل والاستنصار بالأجنبي والتعنّت والتزيُّد السياسي، أن هذه القيادات لم تتعلّم من تجربتها، وقادت الأمور بجدارة فائقة إلى هاوية الإخفاق، ولَم تستوعب أن فن المُمكِن وممارسته أعطاها ما كان مستحيلاً، لكنها لم تفهمه فضاع منها ما بين بين الأيدي وفِي البراثن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى