تنفس صناعي

والحديث عن تفاصيل عمل الإمدادات الطبية ظل لسنوات عديدة حديثاً ذا شجون، ومثار تساؤلات عديدة تتجدد كل صباح، ولا تجد في كثير من الأحيان إجابات شافية تثلج صدر المواطن الكادح المسكين الذي يعد الدواء في عموم بلادي بالنسبة له هاجساً مقلقاً في كل حين.

وكنت منذ أيام قد عايشت عن قرب وقائع عطاء متعلق بالغازات الدوائية طرحته هيئة الإمدادات الطبية، وتنافست عليه شركتان متخصصتان قدمت كل منهما عرضها المتعلق بتوريد أسطوانات أكسجين تنفس للمستشفيات الحكومية…. والمعروف أن تجهيز الأوكسجين لا يحتاج لتراكيب معقدة أو مجهودات كبيرة، ويمكن توفيره بذات المحتوى في جميع الشركات.

وبالاطلاع على العروض المقدمة تلاحظ وجود فرق فى التكلفة المالية الكلية بمقدار (31) مليار جنيه سوداني…. إذ أن الشركة الأولى وهى ( شركة الإقبال الدولية) قد قدمت عرضها للعطاء بتكلفة قدرها نحو (30) ملياراً بينما قدمت شركة (الهواء السائل) التابعة لمجموعة شركات رجل الأعمال (أسامة داؤود)  ذات العرض بتكلفة نحو (61) مليار جنيه سودانى وطالبت في شروطها بمبلغ للتأمين على الأسطوانات!!!

فهل تصدق عزيزي القارئ بأن العطاء ذهب مباشرة وبكل بساطة للشركة صاحبة التكاليف الأعلى بدون مبرر مقنع؟!

واكتفت الهيئة الموقرة بأصدار خطاب اعتذار ركيك ومختصر لشركة الإقبال متمنية لها حظاً أوفر في العطاءات المقبلة دون أي تفاصيل فنية توضح أسباب الرفض وتساعد الشركة على تحسين أدائها لاحقاً!!! 

وحتى هذا الخطاب وصل للشركة المعنية بعد ثلاثة أسابيع من تاريخ صدوره، وكان الوقت المخصص للاستئناف في ما يلي أيلولة العطاء قد انتهى!!

ويطل هنا السؤال الملحاح: ما هي آلية اختيار العطاءات داخل الهيئة القومية للإمدادات الطبية؟! علماً بأن الغازات الدوائية تمثل نسبة صغيرة جداً من عموم احتياجات الهيئة من الأدوية والعقاقير المتعلقة بحياة المواطن الكادح البسيط الذي يعاني الأمرين في رحلة العلاج الماكوكية المضنية في بلادي.

وما هو دور وزارتي الصحة والمالية من تفاصيل مثل هذه العطاءات المرهقة لخزينة الدولة؟!… وما هي معايير العمل في شركات الإنتاج الدوائي؟! فشركة الإقبال هذه مثلاً تعمل بشكل مباشر ومنتظم منذ سنوات عديدة في توريد الأوكسجين لكبرى المسشفيات الخاصة، فإذا كانت نتيجة العطاء لم تأت لصالحها فهل يعني ذلك أن أكسجين تلك المشافي غير مطابق؟! علماً بأن ذات الشركة تعاونت مع الهيئة فيما مضى، وكانت معتمدة لتوريد الغازات الدوائية ومحل ثقة كبيرة!!

الجدير بالذكر أن الشركة المرفوضة قد أرسلت خطاباً رسمياً لهيئة الإمدادات الطبية تستعلمها عن الأسباب الفنية التي أدت لرفض عرضها وقبول ذات العرض من شركة أخرى بتكاليف باهظة جداً توازي الضعف…. فجاء رد الهيئة ضعيفاً يفتقر للموضوعية ويحتوي على معلومات مغلوطة بشأن الشركة الفائزة!!

عليه… وفي ظل المدنية المنشودة والتغيير المزمع…. ولأن قضية الدواء قضية إنسانية في المقام الأول (تهبش المواطن السوداني في اللحم الحي)، فإنني أطالب الرأي العام أولاً ووزارة الصحة ثانياً بفتح ملفات هيئة الإمدادات الطبية بكل شفافية وشجاعة لنجد الإجابات الشافية لكل الأسئلة المرهقة التي أسلمتنا للمرض والعوز…. ونحن إذ ننسى لا ننسى السوابق المتواترة المتعلقة بالمحاليل الوريدية والكيماوي وغيرها من ملفات مخبوءة داخل الأضابير.

وإذا كنا قد امتهنّا الصبر على ضنك العيش وصعوبة الحياة… فيجب على الأقل أن ننتفض في وجه الظلم والمحسوبية والتهاون فيما يتعلق بصحتنا وعافيتنا ومالنا العام.

أقول قولي هذا على أمل إيجاد توضيحات شافية واتخاذ إجراءات حاسمة وأتوقع أن يتحرك (اللوبي) المعروف ليطمس الحقائق أو يثور بوجه أقلامنا كالعادة.

تلويح:

إن ما يحدث داخل الهيئة أشبه بمحاولات التنفس الصناعي، بينما يزحم الهواء الطبيعي المكان!!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى