خربشات الجمعة

(1)

في عواصف التغيير الثوري يؤخذ البريء بجريرة المُذنب وتتعرض المؤسسات إلى التخريب المعنوي والاستهداف غير العقلاني.. ولا تميز رياح الثوار ما بين صلاح نفسها وضررها.. بعد سقوط الرئيس الأسبق جعفر نميري اشتعلت حملة شعواء ضد رموز وقيادات الاتحاد الاشتراكي.. واتهمت مؤسسات بالفساد وتخريب قوت الشعب.. وتعرض بنك فيصل الإسلامي بما يعرف بكسر العظم وهدم الصرح بدعوى المتاجرة بقوت الشعب وتخزين الذرة.. ولم تمض شهور حتى عادت للثائرين الفكرة.. وطارت السكرة.. ومما يروى عن ما بعد مايو أن أعرابياً من الجزيرة المروية.. كان يسعى للقاء الرئيس الأسبق جعفر نميري لبث شكواه حتى بلغ يوماً الرئيس القائد شخصياً وكال له بطبيعة الحال المديح مثل الذين يمدحون البشير والآن ظهرت “طبلة ودربكة” حمدوك..

في تلك الأيام كانت كل السلع يتم استيرادها عبر وزارة التجارة ومن خلال قائمة محددة تعدها الوزارة لذلك اكتسبت وزارة التجارة أهميتها خاصة لدى “الاتحاديين” وهم طبقة وسطى من الموظفين الحكوميين وتجار جملة وقطاعي.. كانت مايو تصدر تصاديق الاستيراد لمن تحب ولا يرهق المصدق له نفسه كثيراً بالبحث عن اعتمادات مالية لاستيراد السلعة المصدق بها.. والسلع تبدأ من السكر والزيت والوقود والدقيق والكبابي و”القصريات” والأحذية.. بعد استلام التصديق ينتظرك سماسرة السوق “لبيع الورقة” للمؤسسة العسكرية الاقتصادية واستلام “الجنيه أبوعمة”..

من حسن أو سوء حظ صديقنا ود الجزيرة أن تصديقه بأحذية.. تسلم قيمتها وذهب لسبيله ولكن مايو لم تعش طويلاً “فسقطت بس” وبدأ البحث عن ضحايا وقرابين تقدمهم الثورة للقضاء لإثبات صلاحها.. وحسن خلقها وقوام تكليفها.. تم إلقاء القبض على عدد كبير من التجار وقادة انقلاب مايو وبينهم ود الجزيرة المسكين.. حشروا في كوبر سياسيين وعامة الناس وبدأت محاكمة مدبري انقلاب مايو.. ومحكمة عن الفلاشا.. وأخرى عن صفقة عدنان خاشقجي.. وود الجزيرة مسك في الفلاشا كل يوم يسمع عن محكمة الفلاشا..!!

في أحد الأيام سأل واحداً من المعتقلين معه.. يا أخوي “مسعول من الخير إت الفلاشا دي شنو”!! فرد عليه رفيق الدرب إنهم يهود من الحبش تم ترحيلهم من السودان لإسرائيل فانطلقت أسارير الرجل، وقال “الحمد لله إن بقت يهود حبش أنا الهم كتلني قايل ديل جزمي”!!

(2)

 في مناخات الثورة الآن محاكمة جائرة لشركة وطنية رائدة ورجل أعمال اسمه طارق سر الختم، وشركة اسمها سين للغلال.. عندما سأل القاضي الذي يحاكم الرئيس السابق عمر البشير عن علاقته بطارق سر الختم كانت الاجابة الصادمة لكل الوسط السوداني “إنه متزوج واحدة قريبتي” أو هكذا أخرجت إجابة الرئيس السابق.. في وقت يعلم حتى قادة التغيير والثوار في الميدان أن شركة سين للغلال هي التي “توفر” 44% من قوت الشعب السوداني خبزاً حافياً ودقيق قمح تشتريه الشركة الخاصة بالدولار وتبيعه لحكومة السودان بالعملة الوطنية وتبحث عن الدولار بطرق أخرى حتى تستطيع الوفاء بالتزاماتها مع الشركات الأجنبية.. وشركة وطنية “توفر” لـ 44% من الشعب السوداني حاجته من الخبز كيف لا يصبح مديرها قريباً من أي رئيس لارتباط المصالح بينهما الرئيس مصلحته في وجود الخبز والشركة في استدامة مصادر ثروتها.. والحكومة أكبر مشترٍ للقمح من الشركة وبسعر أقل من الذي تشتري به الحكومة القمح من رجل أعمال آخر اسمه أسامة داؤود يحظى برعاية الدولة التي تضيف لسعر الطن “الداؤودي” عشرة دولارات كاملة من عرق جبين الشعب تذهب لجيوب وخزائن أسامة داؤود الذي قرأ الساحة جيداً.. وعندما شعر بأن النظام الذي كان يشتري منه القمح بسعر أعلى من شركة سين للغلال وشركة روتانا للغلال ومطاحن الأبلج وعشرات المطاحن الصغيرة والكبيرة وأن البشير قد غربت شمسه “قلب المرتبة” وبلغة “صنايعية المنطقة” قلب الماكينة جاز وأصبح من ممولي الثورة ورعاة الاعتصام قبل أن يمسح شفتيه من أثر عائد الدقيق المدعوم بعشرة دولارات عن كل طن من القمح..

(3)

إذا كانت شركة سين للغلال التي تتعرض الآن في ساحات الإعلام ومنابر التواصل الاجتماعي لحملة عبثية لا تفرق بين مصالح الأفراد ومصلحة الوطن.. ويقذف في وجه مديرها طارق سرالختم حزمة تهم دون تدبر مآلات ما يطلقه الشانئون على مستقبل واحدة من الشركات الوطنية التي أسهمت لفترات طويلة في توفير الغذاء لأهل السودان.. راجعوا أوراقها.. وملفات مديرها العام.. والعلاقة بينها وحكومة السودان ما لها.. وما عليها.. ثم بعد ذلك اصدروا الأحكام على هدى.. ومن خلال القضاء الحر المستقل بعيداً عن تصفية الحسابات التي لا تليق بدولة عمرها يمتد طويلاً من 1956-2019م ليميز قادتها بين رياح الثورات وحقائق الواقع.. وبغض الأشخاص والاضرار بمصالح الوطن.. والتمييز بين القطاع الخاص وحصاد جهد الأشخاص والمؤسسات، فهل سين مؤسسة عامة أو استثمارات لجهة؟؟ أم هي شركة خاصة يملكها شاب اسمه طارق سر الختم جمعتني به الظروف ثلاث مرات في حوش أحد المعارضين بشراسة لنظام الإنقاذ السابق النائب البرلماني أبوالقاسم برطم..

(4)

آلو فضل الله محمد؟؟ معاك ود الأمين.. عايز أقولك وليه أقولك ما بقولك مش مخير.. ساعة مرت وساعة وأكثر والوقت روح تأخر.. زي عنادك عاوز أعاند لكن يظهر ما حأقدر.. أمري لله.. كنت عايز أقول بحبك يا وحيدة.. بقرأ في عيونك حياتي وانت مشغولة بالجريدة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى