الفقرة الخامسة من الفصل الخامس من الاتفاق السياسي

ورد في الاتفاق السياسي لإنشاء هياكل ومؤسسات الحكم في الفترة الانتقالية بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير الذي تم توقيعه قبل يومين في “الفصل الخامس الفقرة الخامسة” ما يلي :
[تعزيز دور المرأة السودانية في كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومكافحة كافة أشكال التمييز ضدها].
أقول:
إن الحاجة ماسة للبيان الواضح لهذه الفقرة؛ فإنه إذا قصد بالتمييز: الفوارق بين المرأة والرجل في بعض الأحكام الشرعية كالميراث والشهادة والولاية في الزواج ونحوها مما هو من الثوابت عند المسلمين؛ فإن الفقرة تكون حينئذٍ من الأخطاء العظيمة التي يجب تعديلها؛ لأنها تناقض نصوص القرآن الكريم المحكمة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع علماء المسلمين وما جرى عليه العمل عند المسلمين في كل البلاد عموماً وفي بلدنا خصوصاً.. وهو للأسف مما ظل ينادي به في الفترة الماضية بعض المتحدثين باسم قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين ومنهم من هو عضو في التفاوض!!
ولا يخفى على مسلم أو مسلمة سلمت فطرتهم أن الفوارق في هذه الأحكام الشرعية راعت بها الشريعة الخاتمة اختلاف الواجبات بين الرجل والمرأة وراعت بها الاختلاف في تكوين خلقة المرأة والرجل، إذ المرأة والرجل كالليل والنهار لكل منهما خصائصه ومميزاته، ولا تستقيم الحياة إلا بأن يؤدي كل منهما دوره، وقد بينت ذلك بتفصيل في كتابي [اتفاقية سيداو دراسة نقدية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية].
والمؤسف أن العبارة صيغت في هذا الاتفاق بذات الصياغة التي هي اسم اتفاقية (سيداو) فإن سيداو اختصار لترجمة تعني : [اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة].
وإن قُصد بها غير ذلك، وجب التفصيل في البيان وإضافة قيد: (بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية).
وجميع أهل السودان قد وقفوا على (ردة الفعل) القويّة – في أواخر عهد حكومة الإنقاذ – والتي أعقبت إعلان بعض الجهات عن تعديلات تتضمن إسقاط اشتراط الولي في عقد الزواج !!
ومن المهم الإشارة إلى بعض المعلومات المهمة عن هذه الاتفاقية التي تطابق اسمها مع الفقرة المشار إليها في الاتفاقية ووجب البيان والتفصيل.
فإنه في عام 1399هــ – 1979م عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمراً تحت شعار: (القضاء على كافة أنواع التمييز ضد المرأة)، وخرج المؤتمرون باتفاقية تتضمن (ثلاثين) مادة وردت في ستة أجزاء للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي اشتهرت باختصار حروفها بــ (سيداو (CEDAW   اختصاراً لكلمات : (Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women)     ، وجاءت هذه الاتفاقية لأول مرة بصيغة (ملزمة) قانونياً للدول التي توافق عليها إما بتصديقها أو الانضمام إليها.
ومن العجائب ومما يصيب بالدهشة أن أمريكا التي يوجد فيها مقر الأمم المتحدة لم توقع على هذه الاتفاقية، بل رفضت التوقيع عليها، وهذا يعني أنه ليس كل ما تتبناه الدول الغربية وتعمل جاهدة على نشره في دول العالم تطبقه على نفسها، فكان الأولى بها – وهي تحتضن الأمم المتحدة – أن تكون قدوة وأسوة يحتذى بها لما تريد الأمم المتحدة نشره – بل فرضه – على بقية الدول، وهذا نموذج يُفاد منه في كشف دعوات التغريب وبيان حقيقتها وأهدافها؛ لكن هل يعقل ذلك (السيداويون) ؟!! ، كما لم توقّع عليها دول أخرى، وإن بعض الدول الإسلامية التي وقَّعت أبدت تحفظات على بعض البنود بناء على مخالفة تلك البنود للشريعة الإسلامية.
ويمكن وضع أبرز الملحوظات (الإجمالية) على الاتفاقية في ما يلي:
*المساواة بين الرجل والمرأة هو الأساس الذي قامت عليه الاتفاقية واستخدمت عبارة (التمييز ضد المرأة). فاستخدمت لفظ (التمييز) ولم تستخدم لفظ (الظلم) .
*تدعو الاتفاقية لإبطال كافة النُظُم والقوانين والأعراف المعمول بها في العالم في قضايا المرأة ليحل محلها قوانين دولية هي النموذج الذي يتلاءم مع الحياة في (الغرب).
*ما طرحته الاتفاقية من حقوق وواجبات غلب عليه النظرة (الغربية) التي تختلف في الإجمال والتفصيل عمَّا هو قائم من أنظمة تشريعية وأعراف في كثير من جهات العالم. والمفاهيم التي دعت إليها الاتفاقية تمثل جوهر (الحياة الغربية) ونظرتها للإنسان والحياة والكون.
*ركزت الاتفاقية على (حقوق) المرأة إلا أنها لم تتحدث عن (واجباتها)، فالحقوق والواجبات في الاتفاقية ليس بينها تناسب.
*تنظر الاتفاقية للمرأة باعتبارها (فرداً) مستقلاً وليس (عضواً في أسرة) فيها المرأة والرجل والطفل. وهذه النظرة (الفردية) هي النمط السائد في الحياة الغربية، وقد شُحِنَت الاتفاقية بجو العداء بين الرجل والمرأة .
*(تناقضت) الاتفاقية التي خرجت من رحم (الأمم المتحدة) تناقضاً مُخجِلاً، وتعارضت مع ميثاق الأمم المتحدة الذي نصّ على احترام كافة نظم الاعتقاد الديني في العالم، كما أنها تتناقض مع المواثيق الدولية التي نصّت على احترام التنوع الديني والثقافي. فكيف ينص ميثاق الأمم المتحدة على احترام كافة نظم الاعتقاد الديني في العالم ثم تصدر الأمم لمتحدة اتفاقية تتعارض مع ميثاقها وترغب في فرض الاتفاقية المتعارضة والمناقضة لميثاقها على كل دول العالم ؟!
ومن الطبيعي أن تكون للاتفاقية جوانب إيجابية كغيرها فالشر المحض قلَّ أن يوجد، فرغم مخالفة هذه الاتفاقية للشريعة الإسلامية ومقاصدها إلا أنها تضمنت في بعض جوانبها أموراً حسنة، ومن المؤكد أن أي أمر حسن دعت إليه الاتفاقية فإن الإسلام قد سبق إليه، هذا يجب أن لا يشك فيه ولما كان إثم الخمر والميسر أكبر من نفعهما حرّمهما الله سبحانه وتعالى وكانت قاعدة درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح قاعدة مجمع عليها بين المسلمين (علماء وعامة) .
وإن مسؤولية من يحكم الشعب السوداني المسلم، والمسلمون في السودان حوالي 98%، إن مسؤولية من يحكم هذا الشعب المسلم ومن يمثله في الجهات العدلية مسؤولية عظيمة جداً في المحافظة على الموقف الواضح الثابت من ثوابت الدين ومحكمات التشريع في الشريعة الخاتمة، وفي المقابل فإن الموقف في بلادنا من هذه الاتفاقية وأهدافها (الخبيثة) معروف غير خفي وهو الإنكار من عامة شعب السودان بمختلف أطيافه؛ لأنها تناقض ثوابت دينهم وأعرافهم، وهذا الأمر من (الخطوط الحمراء) التي يجب الانتباه والتوقّف عندها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى