تحركات لاحتواء الأزمة بين العسكريين والمدنيين.. هل تنقشع الأزمة؟

 

تقرير: نجدة بشارة

على خلفية تصاعد حدة الخلافات بين المكونين العسكري والمدني بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، والتي وصل حدها بين المكونين الى التراشق بالكلمات وتبادل الاتهامات، وكادت ان تصل الى حد القطيعة الكاملة بينهما، عندما أعلن المكون العسكري بمجلس السيادة تعليق كافة الاجتماعات مع المكون المدني، نشطت تحركات داخلية وخارجية لاحتواء الأزمة حيث أبدت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الانتقال بالسودان “يونيتامس”، استعداد الأمم المتحدة لإجراء حوار شامل بين شركاء الفترة الانتقالية، ودعت لخفض التصعيد بين مكونات الحكومة.

والتقى رئيس بعثة “يونيتامس” فولكر بيرتس بالقصر الجمهوري، عضوي مجلس السيادة من المكون المدني محمد الفكي سليمان ومحمد الحسن التعايشي وأكد على استعداد الأمم المتحدة وتشجيعها إجراء حوار شامل بين شركاء الفترة الانتقالية، لافتاً إلى ضرورة معالجة قضايا الانتقال السياسي عبر الحوار البنّاء بين الشركاء، في ذات الاتجاه كشفت مصادر، عن تحرّكات تُجرى في كلّ من نيويورك وواشنطن وباريس لاحتواء أزمة شريكي السلطة الانتقالية في السودان، وأشارت إلى أنّ عواصم غربية عديدة أبدت انزعاجها مما جرى مؤخرًا، من شبه قطيعة بين المدنيين والعسكريين مبدية قلقها من أيّ تهديدّ للانتقال السياسي الديمقراطي في البلاد.

بالحوار !!

في السياق، رصدت متابعات  صحفية عن  تقليل المدنيين من لهجتهم الحادة مؤخراً،   وبدأ العقلاء داخل قوى الحرية والتغيير في الحديث بصوت معتدل عن ضرورة تحكيم صوت العقل.. ولعل القيادي بقوى الحرية والتغيير، ونائب رئيس حزب الأمة إبراهيم الأمين شدد في تصريحات على ضرورة جلوس الجانبين معاً، والتفاوض من أجل حل الأزمة، وقال: لا بد من التفاوض لحل الأزمة مع المكون العسكري. كما حث  في ذات الوقت على اهمية مراجعة عمل المكون المدني، موضحًا أن هناك العديد من الخلافات داخل قوى الحرية والتغيير. أما فيما يتعلق بالانقلاب العسكري، فأكد أن السودان بأكمله ضد الانقلابات، مضيفاً أنها مرفوضة محليًا وعلى صعيد الأسرة الدولية، وزاد:  “قضيتنا المركزية هي التحول نحو الدولة المدنية الديمقراطية في البلاد”. كما دعا إلى تفادي أي حساسية بين المكونين المدني والعسكري، مؤكدا أن هناك وثيقة دستورية تحكم العلاقة بين الجانبين.

وحذر حزب الأمة القومي من الأوضاع الحالية في البلاد، وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير: لا بد من  الجلوس والتحاور والنظر في كيفية العبور بالبلاد. ونوّه في تصريحات صحفية الى أنّ القطيعة بين المدنيين والعسكريين، ستقود الى خلق فوضى شاملة تؤدي إلى انهيار البلاد.

موضحاً بأنّ الأوضاع الحالية تحتاج إلى حكمةٍ وحوارٍ، وقال سندفع الثمن غاليًا إذا لم نصل إلى حوارٍ يعالج التوّتر الحالي.

بينما حث القيادي البارز في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل حاتم السر، شركاء الحكم في السودان على انهاء القطيعة واستعادة الثقة لتجنيب البلاد مزالق خطرة، مؤكدا على أهمية  الحفاظ على الشراكة بين المكونين العسكري والمدني والحرص على استمرار الانتقال بنجاح، داعياً أطراف الحكم الى استعادة الثقة فيما بينهما والعمل سويًا لإكمال ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية، عبر إنصات الجميع لصوت العقل وخفض التصعيد، والتمسك بالحوار والترفع عن التراشق الإعلامي والبعد عن المواقف الأحادية.

تصحيح المسار

من جانبهم، ظل المكون العسكري يؤكد عدم وجود خلاف بينهم والمدنيين، حيث اوضح نائب رئيس مجلس السيادة الفريق (حميدتي) ان ليس لديهم خلاف مع المكون المدني، واعتبر ما يحدث تصحيح مسار وفق إجراءات، وأضاف لدينا عهد للانتقال الديمقراطي.

 

لكن في المقابل، كيف ينظر المراقبون والسياسيون لهذا الواقع المتأزم، وما أسبابه، وتأثيره على عملية التحول الديمقراطي التي من المنتظر أن تتم نهاية الفترة الانتقالية؟.. وسط مخاوف من فراغ سياسي..

ويرى المحلل السياسي د. عبد الرحمن ابو خريس في حديثه لـ(الصيحة) ان المكونين المدني والعسكري مكملان لبعضهما من حيث الشراكة السياسية لإنجاح الفترة الانتقالية وان التقاطعات والتجاذبات سلوك طبيعي لحالات الشراكة، وليس بالضرورة وجود أطراف تؤجج لهذه التقاطعات بينهما، واشار ابو خريس الى ان الحكومة الانتقالية اصبحت تواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بتداخل الصلاحيات بين الأجهزة التنفيذية من جهة، ولجنة إزالة التمكين من جهة اخرى، واردف حتى ان صلاحيات هذه اللجنة تجاوزت سلطات مجلسي السيادة والوزراء، وتحولت الى حكومة مستقلة داخل حكومة، تعين وتقيل ما شاءت في اشارة واضحة الى غياب العدالة وهذا بدوره سيؤثر في المؤسسات العدلية، ونبه المكونين بالمجلس السيادي الى ضرورة إيجاد التناغم بينهما، حتى يتجاوزا هذه  المرحلة بهدوء وسلاسة، وأشار الى انه للوصول الى بر الأمان يحتاج للتسلح بالإرادة القوية بعيداً عن المصالح، وأن يكون استقرار الوطن هو الغاية، وهذا يستوجب من كل المكونات السياسية تقديم التنازلات.

مقترح للحل

وفسّر الحزب الشيوعي، التوترات بين المكونين العسكري والمدني، بأنها ليست خلافات سياسية أو اقتصادية او حتى على البرنامج بدليل إجازة الميزانية مع بعض، واوضح ان طبيعة الخلافات عن أيهما الأكثر نفوذاً مقارنة بالمكون الآخر، وأيهما الأعلى صوتاً وهيمنة على الفترة الانتقالية، وقال القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار في حديث لـ(الصيحة) ان الخلافات بين المكونين ظلت موجودة لكنها طي الكتمان حتى في ظل الشراكة بينهما، موضحاً أن الانقلاب أظهر هذه الخلافات على العلن.

واردف: نحن في الحزب الشيوعي نرى ان المكونين انحرفا عن المسار، بينما اشار الى أن الحاضنة السياسية للحكومة حادت عن الطريق ولم تعد تعبر عن تطلعات وآمال الشعب، وقال ان تطييب الخواطر او التصالحات لن تنهي الخصومة والصراع بين المكونين الآن، واردف “اقترح ان يكون الحل في أن يضع كلاً منهما الوطن في المقدمة وان تجلس جميع القوى السياسية على منصة واحدة، لحين قيام مؤتمر دستوري يفضي الى الانتخابات”، موضحا ان اي محاولات اخرى لرأب الصدع سوف تبدو كمن يعالج اعراض المرض دون استئصال المرض نهائيا، وقال هنالك تدخلات كثيرة من قبل دول خارجية تسعى لفرض إملاءاتهما ومصالحها.

تطلعات وآمال

وتوقع  القيادي بالحزب الاتحادي الأصل يس عمر حمزة في حديثه لـ( الصيحة) أن يسود صوت العقل ويرتفع عاليًا بين كل الأطراف الحكومية المتنازعة وان يتوقف التلاسن والتراشق، واردف نتطلع أن تنتصر إرادة  الحكمة والارتفاع فوق الصغائر حتى نعبر بسلام خلال الفتره الانتقالية وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة تسلم الحكم إلى من يفوضهم الشعب، وزاد “كما نتطلع أن تعالج كل القضايا الخلافية بحكمة وصبر مع اسكات صوت  العنف”، واوضح هذه هي الوسيلة الوحيدة لحل القضايا والمطالب المشروعة، ووجه يس رسالة الى الشعب السودان في  أن يقطع الطريق أمام كل الذين يريدون للثورة الرجوع إلى الوراء.. وإلى تحول ديمقراطي في وحدة ووفاق واتفاق حول كل ما يتطلع إليه الشعب السوداني الذي يتطلّع إلى نظام ديمقراطي بعيدًا عن الشمولية والحكم.. وختم نتطلع أن تطوي كل صفحات الخلاف من أجل تحول ديمقراطي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى