قصائده مملوءة بالحنين إلى ديار حبه وطفولته (2ـ2)

 

عبد الوهاب هلاوي: ندمت على التعاون مع بعض الفنانين!!

عبد الوهاب هلاوي.. اسم تصاحبه رقة المفردة، ونفاذها إلى شغاف القلوب.. قصائده مملوءة بالحنين الى ديار حبه وطفولته كسلا، والقافية عنده شرود إلى المعاني البعيدة، المهمومة بتفاصيل الحياة اليومية عبر شاطئ القاش الى الخرطوم، فعرفته مجالس الطرب بأغنيات لا تزال في خلد جمهور الغناء عند زيدان إبراهيم وعركي وعبد العظيم حركة وعبد الكريم الكابلي وعقد الجلاد.. وشهدت له الساحة الفنية في الآونة الأخيرة نمطًا فريدًا وأسلوباً مغايرًا يتعلق بالأغنية القصيرة (الميني نص) والتي أسماها ضمن مشروعه الشعري بالمشاعل، نلتقي وعبد الوهاب هلاوي ما بين كسلا والخرطوم محطات ومحطات أخرى في هذا الجزء الأخير من حواره:

ـ عودة الى رحلتك الشعرية، والتعامل مع الفنانين الكبار؟

في كسلا كنت أتابع الرحلات الفنية التي تنظم إلى أقاليم السودان المختلفة، وكنت شاهدًا علي بعضها، حيث عرفتني على بعض الفنانين.. وظهرت أولى أغنياتي وأنا لم ازل في السابعة عشرة من عمري، حيث تغنى لي زيدان إبراهيم بأغنية (لو تعرف اللهفة والريد والعذاب) بعدها توالت الأغنيات لدى زيدان فغنى لي: (تتبدل مع الأيام – وعشان خاطر عيون حلوين، وفراش القاش). وكل هذه الأغنيات التي غناها لي زيدان وعمري لم يتجاوز العشرين عاماً. وحين وفدت الى العاصمة من خلال العلاقات القديمة لم يكن الوسط الفني بعيداً عني، وخلال عملي في مجلة الإذاعة والتلفزيون في منتصف السبعينات على عهد رئيس تحريرها عبد الله جلاب، بدأ بعض المطربين في التغني بأغنياتي، أمثال أبو عركي البخيت ومصطفى سيد أحمد والموصلي وعبد العظيم حركة.

* ما تأثير ذلك على شاب لم يتعد العشرين من عمره؟

سوف تضحك كثيرًا إن قلت لك أنني لم أصدق أول الأمر وأنا أستمع لأولى أغنياتي عبر الإذاعة السودانية. وكان يهمني شخص واحد ان يسمع أغنياتي فقد سمعها كل الناس.. في الجانب الآخر لم تحفل الأسرة بهذا الأمر كعادة السودانيين (لا كرامة لنبي في أهله).

* فنانون كنت تتمنى أن يمتد التعاون معهم؟

– كثيرون، ومنهم محمد وردي الذي أخذت منه قصيدة (عشان خاطرعيون حلوين) وذهبت بها الى زيدان إبراهيم، إضافة إلى أمنية غالية

لم تتحقق بغناء عثمان حسين لقصائدي والراحل أحمد الجابري.

* هل أنت راضٍ حتى الآن عن مشروعك الشعري؟

– نعم سعيد بأنني تناولت عبر رحلة الشعر بعض القصائد الاجتماعية  التي تعبِّر عن الحال الاجتماعي في السودان.

* هل تتحاشى القول بأنها قصائد سياسية؟

لا أتحاشى ذلك، ولا مفر من السياسة، فنحن نعيش ونتنفس ونكتب في السياسة، خذ مثلاً قصيدة (حاجة آمنة) وهي من القصائد التي تدور في هذا المعنى وقصائد أخرى، لكن ما يكتبه الشعراء أو تم التغني به عبر أغنيات لا يعبّر عن كتاباتهم الحقيقية، خذ على سبيل المثال الشاعر الراحل  سعد الدين إبراهيم، فكل ما غني له لا يعبر بالتالي عن حقيقة ما كتبه. وأتمنى لو أميط اللثام عن بقية قصائده، لكنها إرادة المطربين التي لم تستطع التعبير عن كتابات الشاعر السوداني.. وأعتقد أن الشعراء في السودان تقدموا فكريًا وإبداعيًا على المطربين.

* هل تعتقد أن الشعراء استطاعوا التعبير عن القضايا المهمة في المجتمع السوداني؟

– كما ذكرت لك ما قدم لا يعبِّر عما كتبوه.. فهناك قصائد مدهشة عبَّرت عن انسان هذا البلد لكنها قابعة عند المطربين. وأتمنى أن يتسع صدر الصحافة والإعلام والقائمين عليهما في تبني إبداعات المبدعين دون خوف أو وجل.

* قصائد مثل (حاجة آمنة) و(الأبرول) هي قصائد لاهبة.. هل دفع هلاوي الثمن غالياً نظير إخراجها؟!

للحق لم يعترض عليها أحد، وإن افترضت التهميش كمبدع. وهناك مطربون يتخوفون من شيء لا أعلمه. وأطالب القائمين على الأجهزة الإعلامية بالانفتاح على المبدعين، على أن ينفض المبدعون عن أنفسهم هذه الانكفاءة والخوف اللا مبرر من هواجسهم.

* هلاوى الناقد هل يمكن أن يقول أن هلاوي الشاعر مصادم؟

أنا لست شاعرًا مصادمًا، ولو كنت كذلك لاختلف ما كتبته للناس، هناك مفردات محددة في حياتي لا أستطيع أن أجامل فيها، ولعل المصادمة ارتبطت بالكتابة السياسية. وأعترف أن قصائدي المصادمة قليلة وخجولة، لا ترضيني ولا ترضي إنسان هذا البلد.

* وما هي هذه المفردات التي لا تحيد عنها؟!

– أولاً لا أومن بما يقوله بعض الشعراء عن وادي عبقر، وحالات الكتابة وشيطان الشعر.. فالشعر في نظري فكرة متى ما استغرقتني، وآمنت بها أستطيع الكتابة في أى موضوع. ولعلي اختزلت بداخلي كثيرًا من الفرح والأحزان وهموم الناس، فلا تعوزني القدرة للتعبير عن أي موقف وأكتب متى ما أشاء الكتابة.

* لكن بعض قصائدك تنصلت عنها؟

مثل قصيدة «العصفورة» التي غناها عماد أحمد الطيب في مهرجان الأغنية العربية؟

هذه القصيدة لحنها أنس العاقب ضمن مجموعة من الأغنيات للأطفال، وفوجئت بهم يشاركون بها في مهرجان الأغنية العربية.

ولو قدر لي امتلاك القرار لتخيرت لعماد غير هذه الأغنية، حتى ولو كانت (جارة يا جارة) والمبدع كغيره من الناس يسمو أحياناً، ويسف أحيانًا أخرى، لذلك ندمت على التعاون مع بعض المطربين.

*لماذا؟

أنا لا أخجل من تجاربي الإنسانية، لكن أصوات وأداء بعض المطربين والملابسات والظروف التي أدت إلى أن يتغنوا بها، جعلتني أندم على ذلك التعاون. ولو امتلك بعض المال الذي دفع مقابل هذه القصائد لأعدته إلى أصحابه ومنعتهم من ترديدها كأغنيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى