لواء شرطة (م) بشير علي محمد بخيت يكتب :ورحل آخر القادة (المؤسسين) لقوات الشرطة السودانية الفريق أول شرطة الدكتور عبد الله حسن سالم مدير عام قوات الشرطة (الأسبق) (1)

كانت الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم الحزين.. الثلاثاء 15 رمضان 1442هـ الموافق 27 أبريل 2021م هي اللحظة التي انطلق فيها صوت يحمل في طياته رنة حزن عميقة من داخل غرفة العناية المكثفة قائلاً: بسم الله الرحمن الرحيم “يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” صدق الله العظيم.. وعلى الفور لبت الروح الطاهرة النداء.. نداء الحق.. منطلقة نحو آفاق السماوات العلي.. إنها روح فقيد الشرطة والسودان كله.. القائد الشرطي الاستثنائي الفذ الفريق أول شرطة الدكتور عبد الله حسن سالم, مدير عام قوات الشرطة (الأسبق) وأحد أبرز القادة التاريخيين غير القابلين للتكرار.. علم على رأسه نار.. سجل اسمه في تاريخ الشرطة السودانية بمداد من نور.. خلال مسيرة تاريخية عظيمة معطاءة في مختلف مواقع الشرطة لتنطلق في ختامها روحه الطاهرة منداحة نحو المقربين حيث روح وريحان وجنة نعيم مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..

كانت صرخة ميلاده الأولى في مدينة عطبرة، حيث كان والده ضابط صف ببوليس المدينة.. ولكن كانت نشأته وصباه الباكر في قرية (قندتو) التي تقع بالقرب من نهر النيل جنوب شندي.. ورغم أن قندتو هي وطنه الصغير إلا ان (جذور) والده تمتد وتنداح حتى قرية (العريباب) في قلب ولاية الجزيرة بالقرب من رفاعة.. ومن هنا وهناك.. بين نهر النيل الخالد, ووديان البطانة الملهمة.. كان هذا التمازج الإثني والمكاني الذي نهل وشرب من صفاته ومعطياته سكان النيل والبطانة وبرزت بوضوح تام من خلال هذا التمازج شخصية الراحل العظيم عبد الله حسن سالم الذي يتصف بالشجاعة والكرم والشهامة والنخوة والعصامية والتواضع الجم.. وأعظم بها من صفات وخصال هي ما يتصف بها ابن السودان الأصيل..

وبما أنه ينحدر من أسرة عسكرية, فكان طبيعياً أن يكون معجباً أيما إعجاب (بالعسكرية) وأبيه منذ نعومة أظافره.. لهذا كان طبيعياً أيضاً بعد أن أكمل دراسته الوسطى بمدرسة شندي الريفية الوسطى, ومدرسة (حنتوب) الثانوية – كان طبيعياً بعد ذلك أن يحقق طموحه العسكري ويلتحق بما كان يعرف (بمدرسة الإدارة والبوليس) التي أنشأتها الإدارة البريطانية الاستعمارية لتدريب وتأهيل الضباط لقوة البوليس والضباط الإداريين لإعداد وتجهيز الكوادر الأمنية والإدارية لمهام العمل اليومية الحكومية بالمركز والمديريات التسع، ست في الشمال وثلاث في الجنوب.. التي كان يتكون منها سودان (المليون ميل مربع) قبل أن يدير الجنوب ظهره للشمال (منفصلاً) عنه بموجب اتفاقية (نيفاشا) ومقتطعاً منه (ثلث) مساحة المليون ميل مربع..!!

وكانت مدرسة الإدارة والبوليس تقوم على مدخل كبري النيل الأبيض بين ناحية أم درمان – أي المساحة التي تشمل اليوم البرلمان وتمتد حتى مسجد النيلين وفي نهاية الخمسينات تم ضم (الإدارة) لكلية غردون التذكارية بالخرطوم وفي ذات الوقت بدأ بناء وتأسيس (كلية البوليس) الجديدة بناحية بري على النيل الأزرق وكانت (دفعة) الفقيد عبد الله حسن سالم آخر دفعة من طلبة البوليس يكتمل تدريبها بمدرسة الإدارة والبوليس ويتم تخريجها بكلية البوليس الجديدة – بري.. وكان أول الدفعة هو الطالب النابغة إسماعيل عطية وأول الطابور الطالب عبد الله حسن سالم..

وعقب التخرج عمل الضابط عبد الله حسن سالم في العديد من مواقع وإدارات الشرطة المختلفة وتقلد مختلف المناصب وكان لعسكريته المشهودة وحرصه الشديد على تجويد العمل والمهام التي توكل إليه, لا سيما في مجال التحريات الجنائية التي ألف عنها كتاباً.. وكان الكثيرون يعتبرونه مشروع قائد شرطي عظيم.. ولم تخطئ فراستهم فقد تم ذلك بالفعل..

إنجازات شرطية تاريخية لقائد تاريخي

1.لقد تم تعيين الفقيد العظيم عبد الله حسن سالم مديراً عاماً لقوات الشرطة في أبريل 1976م خلفاً للمرحوم اللواء مكي حسن أبو.. واستمر أي الفقيد عبدالله مديراً عاماً للشرطة لمدة خمس سنوات ونصف السنة قدم خلالها للسودان إنجازات شرطية استراتيجية تاريخية.. فعقب توليه منصب المدير العام كانت كلية الشرطة تستعد لتخريج إحدى الدفعات.. التي كانت تضم 17 طالباً من دولة الإمارات العربية المتحدة وحضر حفل التخريج العقيد خلفان خليفة وكيل وزارة الداخلية الإماراتية الذي تبرع بمبلغ (واحد مليون درهم اماراتي) لدعم الشرطة السودانية..

وعلى الفور وجه المدير العام الراحل العظيم عبدالله حسن سالم لتسليم المبلغ (لبنك السودان) على أساس أنه (وديعةربحية) تخصص لتأسيس مستشفى الشرطة ودار الشرطة.. وغيرها من البنيات التحتية الاستراتيجية على أن يتم السحب من البنك بواسطة الشؤون المالية والإمداد بوزارة الداخلية ضمن مسؤولياتها المالية.. ومن ثم كون (لجنة تمهيدية) لتأسيس مستشفى الشرطة وعين المرحوم المقدم شرطة عمر ساوي سكرتيراً للجنة..

  1. تأسيس دار الشرطة بري: كان نادي ضباط البوليس التاريخي العتيق يحتل المبنى المجاور لمنزل مدير عام الشرطة الحالي من الناحية الشمالية والذي أصبح اليوم تابعاً للإدارة العامة للمرور.. وقبل أن يبدأ العمل التأسيسي للدار كلف الراحل العظيم عبد الله حسن سالم كلاً من المقدم شرطة المرحوم أمين سيد حسن قريش كلية الشرطة والنقيب شرطة حسن حامد صالح مدير مكتب عميد كلية الشرطة كلفهما بالقيام بمهمة (تسجيل) الأرض التي تقوم عليها الدار اليوم تسجيلها لدى لجنة تخطيط المدن باسم الشرطة السودانية وقد أنجزا المهمة بالصورة والسرعة المطلوبة.. ثم كون (لجنة تمهيدية) لانطلاقة العمل التأسيسي بدار الشرطة وعين المقدم شرطة عباس أبو شامة سكرتيراً للجنة كما استمرت الاستقطاعات الشهرية لمدة طويلة من مرتبات جميع ضباط الشرطة كما كلف كلاً من المقدم هاشم سلمان والمقدم المرحوم الريح السيد علي كلفهما (بمهمة خاصة) تتعلق أيضاً بتأسيس دار الشرطة..
  2. تأسيس قوات الاحتياطي المركزي

رغم أن القرار الخاص بإنشاء قوات الاحتياطي المركزي قد صدر عام 1974م وتم تعيين المرحوم العقيد شرطة عصمت معني محمد حسن أول قائد لقوات الاحتياطي المركزي إلا أن المرحلة المهمة من تأسيس البنيات التحتية الكثيرة والمهمة قد ظهرت إلى حيز الوجود في عهد العميد شرطة عبد اللطيف علي إبراهيم الذي كان مديراً لشرطة جنوب كردفان.. ووقع عليه اختيار الراحل المقيم عبد الله حسن سالم ليكون قائداً للاحتياطي المركزي ويتولى مهام التأسيس الصعبة كما تم اختيار ضباط آخرين على رأسهم المرحوم العقيد شرطة الصادق العوض محمد وكان لي الشرف أن أكون ضمن أولئك الضباط المختارين المكونين لهيئة أركان قيادة القائد عبد اللطيف وقد بقيت مستمراً بعرين الأسود الاحتياطي المركزي وبقيت هناك لمدة 14 عاماً من رتبة النقيب حتى رتبة اللواء.. وقد نقلت منه لفترة قصيرة جداً ثم عدت إليه ثانية كقائد ثان مع سيادة اللواء هاشم سلمان متعه الله بالصحة والعافية.. وكان رحمه الله يحثنا خلال زياراته العديدة المفاجئة للاحتياطي المركزي كان يحثنا أن نعض بالنواجذ على (قومية وحياد) هذه القوات المركزية, التي يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن العنصرية والقبلية والجهوية, فهي من كل أنحاء السودان لحفظ القانون والنظام والأمن والاستقرار في كل السودان.. وقد نفذنا ونفذ جميع قادة الاحتياطي المتعاقبون تلك التوجيهات حتى نال الاحتياطي المركزي ثقة المواطنين في كل أنحاء السوان حتى اطلقوا عليه “أبوطيرة البفك الحيرة” وقد أثبتت الأحداث المؤسفة في بورتسودان والشرق والغرب مدى (الثقة) التي تتمتع بها بها قوات الاحتياطي المركزي لدى المواطنين كل المواطنين.. في كل أنحاء السودان.

لواء شرطة (م) بشير علي محمد بخيت

نائب مدير عام قوات الشرطة (الأسبق)

قائد قوات الاحتياطي المركزي (الأسبق)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى