علي مهدي يكتب : اليوم ٢٧/ مارس تحتفي الدنيا باليوم العالمي للمسرح، وافتتاح مهرجان البقعة الدولي للمسرح

أحبائي

ذاك الصباح مشيتُ خطواتي الأولى نحو مبنى (اليونسكو) في (باريس). جئتها لأول مرة من (نيس) أشهد يومها مهرجان (كان) السينمائي الدولي، و(عرس الزين) الفيلم في البرنامج الرئيس، وتلك من فتوحات الفنون، عُرض قبلها في مهرجان الفيلم العربي في (باريس)، وحصل على الجائزة الأولى، وتلك حكايات وليس واحدة، عنها مدينة النور والجمال، كان صيفاً مدهشاً في الربع الأخير من سبعينات القرن الماضي، وعمري في أول الشباب، خطواتي تسبق ظلي من فرحي، عرفت فيها ليالي المهرجان معنى أن تكون مبدعاً فناناً يُحتفى بك، تشهد الناس  عياناً بياناً يلتفون حولك، حال مشيت خطوات على السجادة الحمراء في مدخل قصر المهرجان، والشاطئ (اللازوردي) خلفك، وعمتي بيضاء لا فيها من سحر الاخضرار شيء، إلا بسماتي، أظنها تعود من شاطئ (أبروف)، تنعكس على سطحة الأزرق، والشاطئ (اللازوردي) يبادلني البسمات، والدهشة تحيط بك مكان للاطمئنان، وسبحان الذي أسرى بعبده من تحت كبري صغير على ( خور) يمشي على مهلة، ولا عليه، من (حي العمدة) نحوها (ودنوباوي)، وأبعد إذا مشى بعنفوانه، يصب فرحان في نهر النيل، يحلم بسطح أملس رقراق، لا فيه من فروع الأشجار ولا قليل، لا يحمل الطين، الشاطئ فسيح يصل بين قارة وأخرى، والبحر أبيض، تلك الأجواء التي عبرتُ منها نحو شوارع الخرطوم عموم، تمشي فيها راجلاً من فرحك كما الطائر، تبتاع الصحف المصرية من مكتبة المحطة الوسطى، وإذا سمح الزمان تُمتّع النفس والخاطر، بجلسة غير بعيد من شارع الجمهورية عند فندق (الاكسلسيور) .

كان ذاك الاحتمال وتلك  التصاوير  تتبع خطاي في المشهد الأممي الأول لي، قبل أكثر من أربعة عقود، تزيد ولا تنقص . ذهبت للمبنى الثاني (لليونسكو) حيث مندوبي الدول، ومكاتب بعض المنظمات ذات الصِّلة بعملها الوسيع، (اليونسكو) ما بين التربية والعلم والثقافة،  تبني شبكة من المعارف الإنسانية، وذاك حديث آخر نحتفي به وعلاقاتي المتجددة معها لعقود .

حملتُ معي توصيات كُثر من الخرطوم، خطابات، قُل عنها طلبات صريحة، تسأل الانضمام إلى الهئية الدولية للمسرح ITI /يونسكو، وإلى المجلس الدولي للموسيقى IMC .

قبل سفري التقيتُ بالشاعر الراحل محمد عبد الحي في مكتبة بشارع الجامعة، يوم كان مديرًا لمصلحة الثقافة، وهو واحد من طرحت عليهم الفكرة، وكنتُ أعمل يومها  معه،  أذهب بإذن منه إلى مقر اللجنة الوطنية لليونسكو، غير بعيد، أمشي راجلاً يومها. مكّنني الدكتور مبارك وكان أميناً لها من الكتب والرسائل والدوريات، اطلعت وبحثت وعرفت وفهمت، أنهم من المنظمات العالمية، تساعد (اليونسكو) في عملها الأممي، فتعلقت روحي بالعمل الخارجي، خاصة وقد عرفتُ القاهرة وتونس في وقت مُبكر، وشاركت في مهرجاناتها السينمائية، ومنها اتسعت اشتياقاتي للحضور في مشهد الفن الدولي .

في صباحي الأول في المبنى الذي ضم مكتبي بعدها بسنوات، مشيتُ في البهو الفسيح بعد الحديقة تدخل من غير درج، وما هي خطوات حتى تكون في المصعد إلى الطابق الثالث،  انتظرني عند الباب سعادة السفير الدكتور الفاتح حمد ممثل السودان لدى اليونسكو، والصديق العزيز ما زرتُ (نيويورك) حيث يعمل الآن إلا التقينا، كنا التقينا قبلها بيوم في مكتب معالي السفير وقتها الأستاذ أبوبكر عثمان، ثم بعدها بقليل عاد وزيرًا لشؤون مجلس الوزراء.

في لقاء السفارة المُرتّب شرحتُ مهمتي، ورغبة وزارة الثقافة والإعلام ومصلحة الثقافة، ثم معهد الموسيقى والمسرح في انضمام السودان  للهيئة الدولية للمسرح Iti ، وإلى المجلس الدولي للموسيقى IMC ،وكان الأستاذ الدكتور خالد المبارك عميد المعهد يومها، قد حمّلني رسالة وتفويضاً لبحث فرص الانضمام. وتحدث سعادة السفير مع سيدي ومحل ودي الدكتور بشير البكري عليه الرحمة، وكان يومها الرجل الثالث في اليونسكو، يساعد  المعلم أحمد مختار أمبو مديرًا عامًا لها.

وبعدها بسنوات دخلتُ ذات المكتب في مبني (اليونسكو) أشارك في أول اجتماع للمكتب التنفيذي بعد انتخابي في (مانيلا- الفلبين) عضواً فيه.

يومها وبجهد مشترك من أهلها سوداني (باريس) سفراء وأحباب، انضم السودان في يونيو من العام ١٩٧٧ لاثنين من أكبر منظمات العالم للفنون.

رجعت سعيداً، بعد أن طاب لي وبي المقام، فمكثتُ، وسافرتُ مرة أخرى نحو الشواطئ المنيرة للخرطوم، وقبل عودتي،  سبقتني رسالة معالي وزير التعليم وقتها مولانا وجارنا وحبيبنا الراحل دفع الله الحاج يوسف عليه الرحمة ولَه المغفرة.

وتولّى شاعرنا الراحل الدكتور محمد عبد الحي  تنفيذ بقية الإجراءات وإعلان تأسيس أول مكتب وطني بالسودان للهيئة الدولية للمسرح برئاسة الكاتب المسرحي وعميد معهد الموسيقى والمسرح وقتها الأستاذ الدكتور خالد المبارك حفظه الرحمن، وتأسيس أول مكتب وطني للمجلس الدولي للموسيقى برئاسة الراحل البروف علي المك والموسيقار الراحل جمعة جابر أميناً عاماً ومشى السودان في فضاءات المنظمات الأممية يُسهم بالقدر المستطاع وأصبحت البقعة التي نحتفي بها هذا المساء ملتقى أقليمي ودولي للفنون والعلوم والإعلام، وفِي رحابها انتقلت الاحتفالات العالمية بيوم المسرح إلى خشبة المسرح القومي بالبقعة المباركة، ولأول مرة تنتقل الاحتفالات خارج باريس ومبنى (اليونسكو). مرتين جاء فنانون من   الدنيا ومن هنا غرب النيل أُعلِنت رسالة اليوم العالمي للمسرح وانتبه العالم للوطن ولأفريقيا.

أربط اللحظة بين الحدثين وكل واحد بستحق دهليزاً نكرسه لتفاصيل تعاظُم أدوار الفنانين السودانيين

تأسس المسرح الوطني في ثمانينات القرن الماضي وكانت  رواية المسمار  لأستاذي السر أحمد قدور وإخراج الراحل إبراهيم حجازي مفتاح للمؤسسة الإبداعية المنتجة ومنه خرج مسرح البقعة، ثم أيام البقعة المسرحية المهرجان ومنذ إعلانه في خواتيم تسعينات القرن الماضي لم يتغيّب أبداً كنّا حريصين على اتصال الدورات، وكما قال المراقبون بعدها أنه الحدث الثقافي الأكثر استقراراً وأظن أنه ساهم في التعريف بالثقافات الوطنية، وانفتح على كل أشكالها تنوعاً وتعدداً، وفِي ظل أكثر الأوقات تعقيداً سياسياً كان جسراً مع الآخر فشهدنا في برامجه عروضاً من أمريكا ونظّم ورشاً متخصصة  بواسطة خبراء أتاحت حتى للمؤسسات الحكومية المشاركة .

للمرة الثانية نرفع رايات البقعة المهرجان من سارياتها بذات الأسباب، ونعلن عن تأجيل الافتتاح إلى الأول من نوفمبر القادم وفِي ذلك رحمة، يُنير الدهليز وأستأذن الأحباب في نشر بيان الهيئة المديرة للمهرجان .

في الجانب الآخر أنشر رسالة اليوم العالمي للمسرح كتبتها ممثلة المسرح والسينما السيدة الفنانة البريطانية

(هيلين ميرن)   وكلما  تعيد النظر لرسالتها، تذكُر دورها الكبير، وهي تشخّص في الفيلم الأشهر، دور الملكة صاحبة الجلالة (الليزبيث) ملكة بريطانيا أطال الرحمن عمرها.

التحيات العطرات للحبيب والصديق المهندس محمد سيف الأفخم الرئيس والمنتخب لدورتين، تقديراً لأدواره في الترقية والتطوير، وعرفاناً بجهده المتصل على سنوات انضمامه عضواً بالمجلس التنفيذي. ترافقنا لسنوات في عواصم الدنيا، منها فجيرة النور انطلقنا بفتوحات كبرى تحققت، والباقي منتظر.

أكتب دهليز، عنها جهود مبدعين عرب وأفارقة في بناء  وتأسيس تجارب عالمية، تجعل بلدانهم مراكز وعي  بقيم التعاون الأممي والشراكات، والأفخم نموذج نعود إليه.

والتهانئ للحبيب الصديق الشاعر المسرحي الدكتور (تابيوس بيانكوني) المدير التنفيذي، وهو وأعماله الجليلة في إدارة هذة المنظمة الأكبر عالمياً في مجالات الفنون، زار البقعة المباركة أكثر من مرة، وساهم في نقل الاحتفالات لها كحدث عالمي مرموق في بقعة مباركة.

أحبائي

كل عام وأنتم بخير، ويجعل المسرح دوماً عامراً  ومزدهراً.

الإثنين القادم التاسع والعشرين من مارس الذي يمضي علي عجل، يصادف يوم دخولي دنيا الظاهر، خرجت من عوالم الباطن، وكُتب لي فيها أن أكون مشخصاتي ظاهراً، يوم نعاود الاحتفال عامنا القادم، أكون دخلت مع وقتي فيها الفسيحة (سبعون عاماً) بحسابكم أهل السنة التي فيها اثنا عشر شهراً، والشهر ثلاثين يوماً، ولغير أهل الحساب المُغاير، أكون دخلتُ في ثلاثمائة عام وأكثر.

طِبتم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى