مَنزلة الرَّمَق..!

“لا أعرف من اخترع الكعب العالي لكن كل النساء مدينات له بالكثير”.. مارلين مونرو..!

الأديب البريطاني إتش. جي. ويلز، الذي تنبأ باكتشاف الطاقة الذرية في إحدى روايات الخيال العلمي، كان في صغره مُحاطاً بالأحذية التي كان يبيعها في قبو تحت الأرض، وعندما كان يَطل من نافذة القبو لم يَكن يَرَى سِوَى أقدام الناس وأحذيتهم. فأسس بناءً على ذلك، نظريته التحليلية الخاصة بطبقات الناس وسلوكياتهم بعد نظرة خاطفة إلى أحذيتهم!. وعندما قِيل للعقاد – مرة – إنّ فلاناً يفهم الفرنسيين جيداً لأنه عاشرهم طويلاً، وضع يده على حذائه قائلاً “لو صح ذلك، لكانت جزمتي هذه تفهم في الفلسفة أكثر لأنها عاشرتني طويلاً”. أما السياسيون فللحذاء عندهم دلالات رمزية أخرى..! 

عندما قذف الصحفي العراقي منتظر الزيدي، الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بفردتي حذائه استخدم علماء في جامعة واشنطن تلك الحادثة لإثبات نظرية مُعقّدة، مفادها أنّ رؤية الإنسان للأشياء تمر بنظامين هُمّا الالتقاط بالعين والإدراك عبر الدماغ. وقد استدلوا على ذلك بالسرعة الفائقة التي استطاع بوش أن يتحاشى بها وصول صراع المطامع إلى مرحلة الحذاء..!

وعندما كان رموز نظام مبارك يمسكون بخناق الاقتصاد المصري، غَير آبهينَ بروائح الفساد التي أزكمت الأنوف، رفع المحامي طلعت السادات جزمته في وجه أحمد عز، الأمين العام للحزب الوطني، فكان التلويح بالحذاء أول بوادر خروج المُعارضة السِّياسيَّة على رموز الفساد في النظام الحاكم..!

أول سياسي سَن سنة الوصول إلى مرحلة الحذاء في المَعارك السِّياسيَّة كان الزعيم الروسي الأسبق خروشوف الذي تَخَصّصَ في استخدام حذائه للتعبير عن مواقفه من السياسات الأمريكية “عندما وصل إلى مطار نيويورك خلع فردة حذائه وأمسكه بيد وصافح مُستقبليه باليد الأُخرى”، وعندما استبدّ به الغضب في اجتماع للأمم المتحدة خَلَعَ حذاءه وضرب به على المَنَصّة مُهدِّداً الأمريكان بدفنهم أحياء..!

ومع تَفَاقُم وتيرة أحداث العُنف في ليبيا، بلغت مُعدّلات التّوتُّر في تصريحات أفراد عائلة القذافي أوجها عندما قال نجله سيف الإسلام إنّه سيضرب كل من يدوس على الخطوط الحمراء بالجزمة، فحذا بذلك حذو ثلة من الأولين الذين سبقوه في النزول إلى حلبة القتال السياسي بسلاح الحذاء..!

وعندما خاطب الرئيس السابق عمر البشير شعبه قائلاً إنّ مُذكِّرة أوكامبو والقِوى الدولية التي تدعمها تحت جزمته، تَفَرّغت وسائل الإعلام العالمية لتحليل “الجزمة” كمصطلحٍ سياسي يعني وصول الحكم والسيادة إلى منزلة الرمق الأخير..!

مرحلة الحذاء هي مَنزلة الرمق السِّياسي الأخير في صِرَاعَات النفوذ والسُّلطة، لكن الطريف أننا – وعلى الرغم من كَثرة المُلوِّحين بسلاح الحذاء – لم نسمع بخصم سياسي “رجل” قضى نحبه جَرّاء الضرب بالجزمة، كما وأننا لا نعرف فارساً سياسياً أنهى حياة خُصُومه السِّياسيين بسلاح الحذاء. لكن النساء فعلنها مع “شجرة الدر” التي حكمت مصر لثمانين يوماً، قبل أن تحكم عليها ضرتها بالموت ضرباً بالقباقيب، على يد نساء البلاط..!

منى أبوزيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى