الفرق بين الصحفي والناشط؟!

تبدو الحاجة ملحة في مثل هذه الظروف والأوضاع السياسية لأدوار أعظم ثقلاً في المسؤوليات على عاتق الصحفيين والإعلاميين للعب مهام أعظم على صعيد الإصلاح، ودعم فرص التعايش والسلام بين كل الأطراف الوطنية لما فيه خير البلاد ومواطنيها؛ ليس مطلوباً من إعلامنا التمسك بخيار التحيزات السياسية التي لا تنتج سوى الأخبار الملونة والتصريحات المشتعلة والتحليلات مع الآراء الناسفة للاستقرار الجمعي؛ وهذا لن يتحقق في رأيي إن لم يتحرّ الصحفيون أقصى معايير الانضباط المهني المتحاشي للخلط الذي كثر مؤخراً بين حالة الصحفي كصحفي، وحالته كناشط سياسي !

في المؤتمر الصحفي الأخير للفريق شمس الدين الكباشي، رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري الانتقالي، فضحت الكاميرا أحد الصحفيين الكبار، وهو يتحدث بلغة جسد وعلامات من يديه أثناء حديث المتحدث بالمؤتمر؛ كانت لقطة صنعتها الصدفة، لكن ظاهر تفسيرات تحركات اليد وتعرجات الوجه كانت تفضح انطباع من لم يرُق له الحديث، هذا بخلاف مثال بعض الأسئلة التي تستغرب أن يطرحها صحفي ثم لا يهتف مطالباً بإسقاط النظام ولو كان المؤتمر حول قرعة الدوري الممتاز! في مخالفة صريحة لأقل ثوابت المؤتمرات الصحفية، وأنها مناسبات تتطلب الحياد حتى في المشاعر وعلامات الاستحسان أو الرفض مع التقيد اليقظ بأقصى مطلوبات الاستحقاق المهني، حال كان الأمر سؤالاً أو عرض قصة صحفية أو تحرير خبر.

وللأمانة، فإنه يجب الاعتراف والإقرار بأن المشهد الصحفي الآن تبدو فيه ظاهرة (النشطاء) غالبة على الصحفيين المهنيين؛ إذ أن المتابع مثلاً لظهور بعد الزملاء بالفضائيات العربية والأجنبية يجد نفسه في حيرة من تحديد هوية الصحفي الضيف، وهل هو محلل يستند على معلومات وقراءات أم إنه ناطق باسم جماعة سياسية بالمشهد الوطني، وعادة يكون هو في حالة النطق باسم جماعة أو متلبس لمواقفها بشكل هتافي وانفعالي مُحيّر ينتهي كل مرة بنتيجة صفرية للسانحة التي خُصِّصت له، فلا يقدم إضاءة مفيدة أو معلومة ذات بال، رغم أن الصحفيين يُستضافون في العادة باعتبارهم مظنة التفاصيل ووفير المعلومات.

توجد حالة من لوثة الهتافيات الفجة تعتري الوسط الإعلامي وبشكل وبائي! فإما أنه في حالة موالاة ثورية مثيرة للشفقة لقوى الحرية والتغيير أو أي جماعات أخرى، أو أنه يتصنع الحكمة والموضوعية فيضع المجلس العسكري طلبة أقلامه ! وتغيب وبشكل محير أي إضاءات ذات أثر وجدوى، لكي تلعب الصحافة أي دور مؤثر؛ وأقصد به دور التنوير والتعريف؛ دور متعوب له وعليه في الرسالة الموجهة للجمهور أكثر من ظاهرة الراكبين موجة كل نظام؛ كلما غلبت جماعة وانتصرت وجدت أن ذات الأقلام حاضرة ومتطوعة (شريحتهم) تقرأ في كل الأجهزة كما يقول أهل الاتصالات والتقانة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى