ماذا بعد أن وصل الطرفان إلى التصعيد (الأعلى)؟!

* شهدت الأيام الأخيرة من رمضان المعظم (الفائت) أحداثاً جسيمة، كان أشدها وقعاً على النفس الإنسانية ذهاب (أنفس بريئة) إلى بارئها، بسبب فض ساحة اعتصام شباب الثورة حول القيادة العامة للجيش.. بعد أن أمضى الشباب قرابة الشهرين وهم في اعتصامهم المجيد والسلمي، والذي أضحى (معلماً) للشعوب، و(مُعرّفاً) بقيمة وقامة الشعب السوداني الذي ينشد الحرية والسلام والعدالة في حياته ومعاشه.

* قال المجلس العسكري إن (فض الاعتصام) جاء بعد استفحال الجريمة بمنطقة كولمبيا (سيئة السمعة)، والتي صارت تهدّد حياة وأمن المواطنين، ورابط تفريق الاعتصام مع كولمبيا أن عتاة المجرمين عندما ضايقتهم القوة الأمنية المعنية بتنظيف المنطقة (فروا) إلى منطقة الاعتصام ولاذوا بها حماية لأنفسهم.. وبعدها جاءت الأحداث الجسيمة التي صاحبت ذلك اليوم.. وقال المجلس العسكري أن (ضباطاً) هم المعنيون باستخدام (قوة مفرطة) أدت لإزهاق أرواح بريئة، هم الآن رهن (الإيقاف) بغرض تقديمهم لمحاكمات عادلة، بعد أن شكّل المجلس لهذا الأمر لجنة تحقيق قومية، ولم يرفض مراقبتها دولياً.

* يظل فض الاعتصام ورقة (رابحة) سقطت في يد المجلس العسكري، وهو يشرع في التفاوض مع قوى الحرية والتغيير لتهيئة البيئة السياسية للفترة الانتقالية.. ويكون المجلس وفقاً لأحداث الثالث من يونيو قد فقد الكثير في الوجدان الشعبي المتعاطف والمصطف مع قوى الثورة، بعد استخدامه أقسى المواقف لتحميه من أقوى كروت الحرية والتغيير، وهو (ساحة الاعتصام).

* بالمقابل كذلك، فقدت قوى الحرية والتغيير أقوى كروتها (الرابحة) في المشهد السياسي، وهي تغادر ساحة الاعتصام بتلك الطريقة (المأساوية) التي شهدها العالم أجمع.. وكان هذا الفقدان واضحاً في مواقف المجلس العسكري التي أعلنها في عدد من تصريحات قادته وتأكيداته أن التفاوض في أمر تهيئة البيئة السياسية سيشمل كل القوى السياسية السودانية، ولن يكون مقتصراً على الحرية والتغيير وحدها، كما كانت صورة المشهد السابقة.

* حاولت قوى الحرية والتغيير بعد فقدها ساحة الاعتصام أن تجد وسيلة أخرى للضغط على المجلس العسكري، فلجأت أولاً إلى (التصعيد الثوري) بالتتريس وإغلاق الشوارع والطرقات، وسعت لزيادة قوة الضغط على المجلس العسكري باستخدام آخر الكروت في التصعيد، وهي دعوة (العصيان المدني) التي لاقت استجابة كبيرة من قطاعات مؤثرة، وأفلح المجلس العسكري في المحافظة على دولاب الدولة الذي لم يتأثر كثيراً بحالة العصيان التي كانت أقوى في القطاع الخاص والمؤسسات محدودة الأثر.

* ولأن العصيان سلاح (ذو حدين) يمكن أن يرتد على منظميه في حال (فشله)، استدركت قوى التغيير هذه النقطة، وأسرعت إلى رفعه بغية الاحتفاظ ببعض الكروت مستقبلاً، وحتى لا تحرق أوراقها وتكون قفزت في ظلام عدم التقدير السياسي.. إضافة لمحاولتها الاستفادة من أجواء الوساطة الأثيوبية التي جاءت بدفع من المجتمع الدولي.

* بقي أن نقول إن كلا الجانبين (العسكري ــ والحرية والتغيير)، عادا إلى مربع التفاوض رغم أن العسكري تراجع عن خطوته الأولى بتعليق المفاوضات، وتأكيداته أنه يعود للتفاوض بدون شروط.. بينما احتفظت (قوى التغيير) باعتدادها بنفسها عندما أعلنت عدداً من الشروط (الصعبة) ووضعتها أمام (العسكري) الذي قال إن عودته للتفاوض لا تعني القبول بالشروط، لكنها بقيت محل دراسة، وأعلن عن قبوله الوساطة الأثيوبية ورغبة المجتمع الدولي بالعودة إلى طاولة المفاوضات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى