تفاقمت الاضطرابات.. هيبة الدولة.. على المحك

 

تقرير: نجدة بشارة     16مارس2022م 

يحكى أنه وقبل ما يزيد عن ثلاثة عقود، كانت  إنجلترا تمر  بمرحلة  من الاضطرابات السياسية والأمنية المتفاقمة، نتيجة لانتقال  العرش الى ملك قادم من ألمانيا لا يجيد الإنجليزية، واعتمد في إدارة  دفة حكمه على أعوان ومساعدين جيروا الحكم وأدواته لصالحهم وانشغلوا عن إدارة شؤون الحكم ، فعمت الفوضى وانتشرت الجريمة وتراجعت الخدمات، وأضحى كل الشعب حاكماً ومحكوماً  ، وانتشرت الفوضى ، يومها أطلق  الفيلسوف  توماس هوبز مقولته الشهيرة  “أن يستبد فرد خير من أن يستبد كل الشعب”، في إشارة الى ان استبداد شخص واحد ( كالحاكم للدولة)  ، أهون واقل من أن ينتشر الاستبداد وسط  الشعب فتعم الفوضى .  وللقصة مقاربة ومقارنة ، حيث ظل السودان 30 عاماً في ظل حاكم استبدادي ديكتاتوري ، اسقطته ثورة الشعب ، بشعارات الحرية والسلام والعدالة. ولكن اليوم وبعد  ثلاث سنوات من سقوط الرئيس المعزول ينظر مراقبون الى ما وصل اليه  الحال .. وعدوه أسوأ بقرائن الأحوال ولا وجه للمقارنة .. حيث  تمددت  الاضطرابات الأمنية والسياسية ، وتعددت  مصادرها  من قبل كيانات ، جماعات سياسية  ، تحركات الشارع ، مليشيات، مختلفة المذاهب والعقيدة  . ووسط هذه الفوضى يتساءلون  أين  ذهبت هيبة الدولة؟

تخريب وخسائر 

ولعل مؤخرا تجاوزت الاضطرابات الأمنية محطات الشارع ، وامتدت الى منشآت الدولة ، حيث توقف العمل بحقل بليلة النفطي بولاية غرب كردفان وخرج  عن الخدمة  لأكثر من أسبوع جرّاء الهجوم المسلح وعمليات التخريب الواسعة التي طالت الآبار وغرفة التحكُّم وبعض السيارات العاملة، ولم تكن هي المرة الأولى حيث توقف الحقل عن العمل في العام 2019 بعد أن سيطر عليه بعض المحتجين وقاموا باحتجاز العاملين فيه لعدم توظيف أبناء المنطقة وبات حقل بليلة مهدداً بالتوقف بعد تزايد مطالب أهل المنطقة.  وحمّل المهندسون السودانيون العاملون بالحقل ، السلطات مسؤولية حماية منسوبيها والعاملين في حقول النفط ومربعات الإنتاج.

وقال في بيان له ان على السلطات  الاضطلاع بأدوارها بدلاً من الترسيخ لدولة المليشيات على حساب دولة المؤسسات ولم تخرج جهة رسمية بتقدير لحجم الخسائر الناجمة عن عمليات التخريب في الحقل، أو تأثيرها على إمدادات النفط.

هيبة الدولة 

 

وفسر وزير الطاقة والتعدين السابق عادل علي إبراهيم في تصريحات سابقة لـ( الصيحة) ، اسباب  أزمة حقول النقط الى ان العامل الرئيسي فيها هو غياب هيبة الدولة في مقابل قضايا مطلبية تاريخية خاصة بأهل المنطقة. وأضاف هذه المطالب أصبحت معلّقة قبل الثورة وتجدّدت الوعود فيها حتى من حكومة الثورة التي وعدتهم، لكن حكومتي ما بعد الثورة الأولى والثانية فشلتا لعدم استقرارهما.

ظواهر مطلبية

في المقابل، انتشرت مؤخرا بالدولة  الظواهر المطلبية للمجموعات ، حيث تتحول المطالب الخدمية التي تضطلع بها الدولة وفي التباطؤ في تنفيذها لجهة غياب الحكومة التنفيذية ، تتحول الى مطالب سياسية واحتجاجات تعطل بها قطاعات واسعة ، وخير دليل  إغلاق الطرق القومية  ، شرق السودان ، الشمالية ، طريق الصادرات غرب السودان ، وامس اغلق محتجون الطريق القومي الذي يربط ام كدادة – الفاشر ، حيث تظاهر العشرات رفضاً لعمل شركة “شيكو للمعادن” التي تعمل في التنقيب عن الذهب . اضف الى ذلك هنالك ، الإضرابات،  اضراب الاطباء في السابق، وحالياً اضراب المعلمين بسبب مطالب زيادة الرواتب وغيرها من امثلة الاحتجاجات المطلبية والتي تؤثر بصورة مباشرة على تسيير دولاب الدولة وتوقف عجلة التنمية والاقتصاد.

موروثات ثورية

قال  المحلل السياسي د. عبد الرحمن أبو خريس في حديثه لـ( الصيحة ) ان بعض شعارات وممارسات  ثورة ديسمبر  تحولت الى ثقافة وموروث مستمر لدى قطاعات الشعب ، مثل تتريس الشوارع ، واضراب القطاعات المطلبية ، حيث تحولت المطالب التنفيذية المشروعة الى مطالب سياسية ، لا سيما في ظل التدهور السياسي والاقتصادي. واضاف  ان المصادمات التي تحدث في مواكب الاحتجاجات كرّس للمشاحنات والسخرية من قبل بعض المحتجين  بالاجهزة الشرطية ، والقوات النظامية وهذا ما اوجد التساهل معها

غياب المؤسسية.

ويقول الخبير الأمني والمحلل الاستراتيجي الفريق محمد بشير سليمان لـ(الصيحة) ان بسط هيبة الدولة احترام سيادة الدولة وسيادة القانون وهذه لا تتأتى إلا عبر دولة المؤسسات ، ودولة المواطنة في الحقوق والواجبات، اضافة الى الرضاء المجتمعي بقناعة كل فرد عن انتمائه وحقوقه  ونهج التربية الوطنية . وقال : وفوق هذا وذاك يجب ان تكون القيادة مقنعة ، قدوة ، ومفكرة ومقبولة لدى معظم الشعب وذات بُعد قومي . وأوضح أن المسؤولية يجب ان تكون متكافئة بين الدولة والشعب وحتى الأحزاب السياسية والتي لها دور ونصيب من الاستقرار الأمني عبر تعظيم الرؤية الوطنية وإعلائها على المصالح الحزبية الضيقة. وأضاف بشير أن فوق كل هذه النقاط المذكورة لا بد من السلطان ان تحقق للشعب إطعامهم من الجوع ، وتأمينهم من الخوف ، ليكون هنالك احساس للانتماء لا سيما وان تدهور الخدمات التعليمية والصحية ومعاش الناس يوجد الإحباط ويكون سببا في الانفلاتات الامنية. اما فيما يتعلق ببسط هيبة الدولة يقول: إن هيبة الدولة جانب معنوي  وروحي وليس  فعلا يحاسب عليه الفرد  بالقانون والجزاءات ، او التعنيف ، وزاد: القوة لا تؤسس لدولة وانما بالحرية وبالتالي من ( الصعوبة بمكان ان تحترم الدولة وتوجد لها هيبة ) في ظل تفكك المجتمع وغياب الامن، والسيولة الأمنية والأزمات السياسية والاقتصادية  .. وبالتالي الذي لا يعجبك حقيقة تبخسه ولا تحترمه ويخرج من دائرة الهيبة الى الكره. واردف لا بد للسلطات ان تنتبه الى هيبة الدولة وسيادتها حتى لا ينفرط عقد الأمن أكثر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى