سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع

15مارس2022م 

حنان النيل ..هل من عودة تاني؟

(1)

الفنون والعلوم الإنسانية والفكرية من شأنها أن تمنح الإنسان إنسانيته وتُجسِّد مبادئه وقيمه وتقاليده ومعتقداته الدنيوية التي تنتج مواهبه وإبداعاته وتنفس عن معتقداته الذاتية وقناعاته الشخصية والمشتركة مع الإنسان الآخر ولكن تبقى الروح والذكرى مزروعة بين ذرات الألوان، بل تنمو بمرور السنين كما نراها ونسمعها في بعض الأصوات الخالدة التي تنمو الروح فيها مع مرور الأيام بارتفاع قيمتها المعنوية المصطحبة مع قيمتها.. ولعل ذلك مباشرة للفنانة المُعتزلة.. حنان النيل.. فهي فنانة مازالت بخاطرنا جميعاً، لأنها أرخت لقيمة الفن عبر صوتها الجميل المُحتشد بالأصالة، لم تبتذل نفسها ولا غنائيتها مثل فنانات هذا الزمن، لذلك ظلّت باقية في مقدمة الذهن لا يطالها النسيان رغم اعتزالها الغناء قبل سنوات طوال ولكنها ظلّت تُشكِّل حضوراً طاغياً متى ما توقّف المُستمع في التجارب الجادة ذات البُعد الجمالي والإنساني.

(2)

لا أتورّع ولا أخشى شيئاً في الكتابة يومياً عن الفنانة حنان النيل .. لأنها بتقديري من فتحت الأبواب المغلقة لكل الأصوات النسائية التي جاءت من بعدها .. رغم أن البعض يحاول أن يهدم القيم والركائز الجمالية التي أسّست لها .. فنانات أمثال إيمان لندن وعشة الجبل والكثير من الأسماء التي تفتقد للقيم الأساسية لفكرة فن الغناء يهدمن يومياً بناء حنان النيل.. لأن وعيهن بالغناء وقضيته وأهميته يصل مرحلة الصفر البارد.. كل الهَمّ عندهن هو نشر الغناء الفارغ الذي لا يستند على أي قيمة إنسانية .. لذلك وجد (شريف نيجيريا) البراح و(يرتع) كيفما شاء.

(3)

صوت حنان النيل هو جزء من حملتنا لمسح تلك الأصوات من الساحة الفنية .. وإذا أردنا أن نحمل (المكنسة) ونُنظِّف كل الشوائب التي شَوّهت وجه الغناء الجميل .. تظل حنان النيل هي الرهان الأول .. وهي الأداة لفعل ذلك .. لأنها لم تبتذل نفسها ولم تضعها موضع الإذلال والقيل والقال وكثرة (الدولارات) والانكسارات.

(4)

لا أريد أن أعود للجدل القديم حول صوت المرأة .. ولكن صوتها المُترع بكل الجماليات  يغني للفضيلة والوطن ويدعو لتكريس القيم الإنسانية والاجتماعية من المستحيل أن يكون عورة ويجب أن يصمت.. ومن الظلم بتقديري أن نضع حنان النيل بمحاذاة فنانات الغناء الهابط واللهو والعبث.. فذلك ظلم كبير لها.

(5)

حنان النيل صوت قوي وخال من الشوائب وفي منتهى السلامة الأدائية .. صوت لم يتلوث بساقط القول .. ولم يغن ولا أغنية واحدة يمكن أن نقول بأنها غير مُكتملة .. فحنان، الصوت المثقف لا تغني إلا أغنية ذات قيمة وأبعاد.

(6)

نحتاج لحنان النيل لنغسل ثوب الغناء من الأدران التي لحقت به .. نحتاجها جداً لأن تقول كلمتها ولا تمضي .. ونتمنى أن تعود من عزلتها .. ورغم احترامنا لرغبتها في الابتعاد عن الغناء وفلسفتها في ذلك .. ولكني لا اتفق معها في رؤيتها للابتعاد والاعتزال .. لأن في غيابها انتشرت (القوارض) وأصبحت الساحة الغنائية مرتعاً خصباً لضعيفات الموهبة والقيمة.

(7)

بعض المفاهيم التي تعشعش في مَخيلة حنان النيل كانت سبباً في ابتعادها عن الغناء .. فهي تعتقد بأنّ صوت المرأة عورة .. وأن تغني فذلك هو عين الحرام .. وهي تحتاج لمن يُناقشها في تلك الآراء والمفاهيم .. الأمر أصبح يحتاج لفتوى واضحة المعالم حتى يزيل الشك والريبة من قلبها .. فمن يتصدى للمهمة من مشايخنا المتقدمين في المفاهيم؟

(8)

إنها فرصة لنضع حداً فاصلاً حول صوت المرأة ..لأن القضية ظلت مثار خلاف منذ زمن طويل .. وعبر حنان النيل يُمكننا أن نضع القضية على طاولة التشريح وندخل في عُمقها .. فإذا كان صوت المرأة عورة وثبت ذلك بالنصوص والأدلة .. الفكرة ستكون مريحة حتى نستريح من بعض الأصوات!!

(9)

وتظل حنان النيل بيننا رغم غيابها واعتزالها.. فهي أسّست لمدرسة غنائية جادّة نافست بها كل الأصوات الرجالية وتجاوزت مربع الصّوت النسائي وشكّل تفكيره البسيط في الغناء.. وحنان النيل رغم ما كانت تُعانيه من نعمة فقدان البصر ولكن لها قدرات بصيرة تفوق مستوى عمرها وإدراكها.. والنظر لمجمل ما تغنت به قبل اعتزالها يؤكد بأنها كانت ذات بصيرة نافذة تفوقت بها على كل المبصرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى